تتصاعد حالياً مخاوف المواطنين من عودة الحكومة إلى قطع الكهرباء عن البيوت والمحلات التجارية بل والمصانع بسبب سياسة تخفيف الأحمال، وذلك لأنها كانت قد وعدت بعدم انقطاع الكهرباء خلال فصل الصيف أو ما تبقى من فصل الصيف ونفذت ذلك بالفعل ولكن هاهو فصل الصيف يوشك على الرحيل، وبدأت بالفعل بعض الأحياء في الإسكندرية وطنطا تشكو من عودة انقطاع الكهرباء ولكن بدون جداول ومواعيد محددة، علما بأن انقطاع الكهرباء وتذبذب الجهد الكهربائي خلال الصيف الماضي تسبب في احتراق أجهزة التكييف والثلاجات لدى بعض المواطنين، كما أن حلول الخريف والشتاء يعني بدأ العام الدراسي الجديد واحتياج الطلاب إلى الكهرباء للمذاكرة لأن أحدهم لن يستطيع المذاكرة على لمبة جاز كما يدعونا بعض الإعلاميين.
وفي هذا السياق تتخذ الدولة إجراءات حاسمة لمحاربة ومنع ظاهرة سرقة الكهرباء، حيث نجحت حملات تشجيع المواطنين على الإبلاغ عن وقائع سرقة الكهرباء في تحرير مئات الآلاف من المحاضر، ولم تقتصر العقوبات على الغرامة المالية بل امتدت إلى إرسال أسماء المدانين إلى وزارة التموين لحرمانهم من الخبز المدعم والسلع التموينية المدعمة وإيقاف بطاقات التموين الخاصة بهم، وبعيدا عن تندر بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي على الفكرة بتداول كوميكس ساخرة من نوعية ( إللى جوزها مطلعهاش مصيف تبلغ عنه أنه بيسرق كهرباء) بعيداً عن هذه النكات الساخرة، تتضح خطورة الأمر من خلال الأرقام الرسمية التي تعلن عنها وزارة الكهرباء المصرية حيث تفاقمت تلك الظاهرة خلال السنوات العشر الأخيرة، وبالتحديد تكبدت الدولة خسائر إجمالية قدرها ١٥ مليار جنيه بسبب سرقة الكهرباء خلال الفترة من عام ٢٠١٤ حتى عام ٢٠١٩، كما أفادت الوزارة أن الدولة المصرية تتحمل سنوياً ٢ مليار جنيه بسبب سرقة الكهرباء وعدم دفع الفواتير المستحقة، وهو ما يؤدي إلى زيادة العجز السنوى للموازنة بمقدار ال ٢ مليار جنيه، كان من الممكن استغلال هذه الأموال في مشروعات إنتاجية ترفع القيمة المضافة للاقتصاد المصري وتوفر فرص عمل للشباب.
ووفقاً لهذه الأرقام وصلت الخسائر حالياً منذ عام ٢٠١٤ وحتى العام الحالي ٢٠٢٤ إلى ما يقرب من ٢٥ مليار جنيه، ناهيك عن انخفاض مستوى الخدمة حيث تسببت سرقة الكهرباء في ارتفاع نسبة الفقد في الشبكة الكهربائية بنسبة ٣٤٧٪ خلال عام ٢٠٢١، وقد بذلت الدولة جهود كبيرة ومكلفة لحل هذه الأزمة حتى وصلت نسبة الفقد إلى ٥٠٪ خلال العام الجارى، وهو ما يعني أننا مازلنا نعانى من وجود نسبة فقد في الشبكة الكهربائية تنعكس على تدنى مستوى الخدمة.
وقد انعكس ذلك على حياة المواطنين من خلال عدم العدالة في تقديم الخدمات بمعنى أن مواطن يسرق كهرباء ولا يدفع فاتورة يؤثر سلباً على مستوى الخدمة المقدمة للمواطن الذي يدفع الفاتورة بانتظام، ويتفاقم الأمر كلما تزايدت أعداد المواطنين الخارجين عن منظومة الدفع الكهربائي ومن يحصلون على الخدمة بدون وجه حق.
ويعانى المواطنين أيضاً من التذبذب في الجهد الكهربائي وهو نتيجة طبيعية لسرقة الكهرباء وانعكاساتها على تدنى مستوى الخدمة وهو ما يتسبب في حرق وتلف الأجهزة الكهربائية من ناحية بل وقد يمتد إلى حدوث ماس كهربائي من ناحية أخرى.
ونتيجة هذا الهدر تذهب أموال الدولة والافراد أو بالأدق تهدر وتضيع إما بسبب الخسائر وتراجع إيرادات الشركة القابضة للكهرباء أو بسبب ما ينفق على إصلاح التلف والمشاكل الناتجة عن هذه السرقات فتضيع فرص إقامة المزيد من المشروعات وضخ الاستثمارات في هذا المجال، حيث تتضاءل فرص إقامة محطات كهرباء جديدة على سبيل المثال كما تتراجع محاولات التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة وبدلاً من أن نصدر الكهرباء ونوقع اتفاقيات الربط الكهربائي مع الدول المحيطة أصبحنا نعانى من نقص شديد في هذا المصدر الهام من مصادر الطاقة.
ألاعيب سرقة التيار الكهربائى على كل شكل لون
- أبرزها تركيب وصلة غير شرعية ودفن السكينة ونزع غطاء العداد ليتوقف عن الدوران
- ابتكروا طريقة جديدة تستخدم ريموت كنترول لربط العداد باللوحة الرئيسية
- تنتشر فى القاهرة والجيزة وحجم السرقة يصل إلى 30% من الطاقة المباعة
مع إنتشار الظاهرة بشكل يمثل خطرًا على الاقتصاد الوطنى من الطبيعى أن يهتم الخبراء والباحثون بدراستها علميًا وأكاديمياً لتحليل الأسباب والتداعيات، وفى هذا السياق نشرت مؤخرًا ورقة بحثية بعنوان " ما تأثير سرقة الكهرباء على الاقتصاد المصرى"، أعدتها الدكتورة رضوى محمد سعيد رئيس برنامج الدراسات المصرفية بمركز رع للدراسات الاستراتيجية والمشرف على برنامج دراسات السياسات العامة بالمركز، استهلت سطورها بتعريف سرقة الكهرباء، بأنها استخدام المواطنون حق استهلاك الكهرباء بدون دفع مُقابل لهذا الاستخدام، موضحةً أن هذا الوصف يمتد إلى التلاعب بعداد الكهرباء، أو التحايل على عدم دفع الفواتير المُستحقة، حيث تتعدد طرق ” سرقة الكهرباء”، فمنها استخدام الوصلات غير الشرعية، أو عن طريق الاستيلاء على التيار الكهربائي من الكوفريه العمومي الموصل للتيار قبل تركيب العداد، ويُمكن السرقة عن طريق نزع غطاء العداد لأسفل، لكى يتم إيقاف العداد عن الدوران في المنزل، فيما يلجأ بعض المواطنين إلى تركيب سكينة الكهرباء ودفنها في مكان غير مرئي، ويتم توصيلها من الخارج إلى السكينة الثالثة، ومن ثم وصلة أخرى إلى العداد، كما يمكن سرقة الكهرباء عن طريق فتح العداد من الداخل، وتركيب مقاومات لتقليل الاستهلاك.
وأشارت الدكتور "رضوى" فى سياق الدراسة إلى أن بعض المواطنين لم يتوقفوا عند هذا الحد من طرق السرقة، ولكن ابتكروا طريقة جديدة تستخدم ريموت كنترول لفصل العداد وإعادة توصيله من اللوحة العمومية.
وأشارت الدراسة إلى أن التحايل على الدولة المصرية في استخدام الكهرباء بدون مُقابل يتم بعدة طرق، ومن ثم يتعين كشفها لأن بداية حل هذه المشكلة، يأتي من فهم طرقها وأسبابها، حتى يتسنى حلها والحد من تداعياتها.
وفيما يتعلق بالتوزيع الجغرافى لتلك الظاهرة، أكدت الدراسة إن سرقة الكهرباء تنتشر في عدد من المناطق دون غيرها، فهناك مناطق تقل فيها حملات الكهرباء، مما يؤدي إلى انتشار حالات السرقة بها، مستندةً على بيانات الشركة القابضة للكهرباء، ووفقًا للشركة فإن مناطق القاهرة الكبرى والجيزة تُعد من أكثر المناطق سرقة للتيار الكهربائي، إذ تجاوزت السرقات 30% من إجمالي حجم الطاقة المباعة في شركة جنوب القاهرة، بينما في شركة شمال القاهرة، تتعدى السرقات الـ 19 % من حجم الطاقة المباعة، وهي نسب كبيرة تُستقطع من إيرادات شركة الكهرباء، ومن ثم من إيرادات الدولة المصرية.
روشتة الحل تتضمن تفعيل القانون والترهيب الاعلامى
فى تصريحات سابقة قال الرئيس عبد الفتاح السيسى إن من يرفض دفع فاتورة الكهرباء لثلاثة أشهر متتالية يتم رفع عداد شقته، ولا يعود ثانية إلا إذا تقدم بطلب لتركيب عداد ذكى
" الكارت المدفوع مقدمًا عن طريق الشحن"، ولكن إذا كان المواطن لا يمتنع عن دفع الفاتورة بل يتعمد سرقة التيار ليحصل على السلعة بدون وجه حق، لتأتى الفاتورة على خلاف الاستهلاك الحقيقى فكيف يمكن التعامل معه فى هذه الحالة أو بالأدق الجريمة ليس فقط بالعقاب ولكن بالردع ومنع حدوثها وتكرارها بشكل استباقى، وكيف يمكن السيطرة عليها أيضًا من خلال التوسع فى هذه العدادات التى تعمل بتكنولوجيا رقمية متطورة من ناحية، بالتوازى مع تفعيل الدور القانونى والإعلامى من ناحية أخرى.
وأجابت الدراسة عن هذه التساؤلات من خلال ما أسمته توصيات ملحة من أجل وضع حلول جذرية للمشكلة، تبدأ بضرورة تفعيل القانون، لافتةً إلى أن المادة 70 من قانون الكهرباء تنص أنه " يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة ألاف جنيه، ولا تزيد عن مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من قام أثناء تأدية أعمال وظيفته في مجال أنشطة الكهرباء، أو بسببها بارتكاب الأفعال الأتية: توصيل الكهرباء لأي من الأفراد أو الجهات دون سند قانوني بالمخالفة لأحكام هذا القانون والقرارات المُنفذة له، أو علم بارتكاب أي مخالفة لتوصيل الكهرباء، ولم يبادر بإبلاغ السلطة المُختصة، أو الامتناع عمدًا عن تقديم أي من الخدمات المرخص لها دون عذر أو سند من القانون" وبالرغم من ذلك وصفت الدراسة هذا القانون بأنه غير فعال في ضبط المخالفين، إذ أنه من الصعب اكتشاف من يقوم بهذه الأفعال، وهو الأمر الذي يجعله غير رادع بشكل كبير، فالأهم من وضع القانون هو تفعيله بالشكل الذي يُحقق منفعة البلاد.
وتطرقت الورقة البحثية إلى أهمية التوسع في العداد الذكي، الذي يعد إحدى الوسائل الهامة لتقليل حالات سرقة الكهرباء، إذ أن هذا العداد يقوم تلقائياً بتسجيل البرمجة والإغلاق وفقدان الطاقة، بالإضافة إلى حالة العداد عندما يقوم شخص بتغيير الجهد، وبالتالي يُمكنه بسهولة اكتشاف سرقة الطاقة، خاصة إذا تم تطبيق نظام قراءة العدادات بفعالية، حيث يُمكن مراقبة جميع بيانات الكهرباء عن بُعد وتحليلها، وعندما يتم اكتشاف حدث غير طبيعي، يتم إرسال إشعارًا تحذيريًا من خلال عدة وسائل منها أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة، مما يمنع سرقة التيار بشكل فعال.
أما على الصعيد الاعلامى والتوعوى، شددت الدراسة على ضرورة أن يقوم الاعلام بدوراً أساسيًا في توعية المواطنين بعدم سرقة الكهرباء، فعندما يقوم الاعلام بترهيب المواطنين بعدم فعل هذا السلوك، سيقوم عدد ملحوظ منهم بالتراجع عن السرقة، لأن أجهزة الإعلام لها دور قوي في التأثير على المواطنين وتذكيرهم بالقوانين التي تمنعهم من الأفعال التي تضر بمصلحة الوطن، كما أن استمرار ومواصلة الحملات الإعلامية القوية ضد سارقي الكهرباء سيكون له تأثير إيجابي في تخفيض عدد السارقين.
اتهامات لوزارة الكهرباء بالإهمال
من الجانب البحثى والاقتصادى إلى الصعيد التشريعى والنيابى، حيث طالب الدكتور إيهاب رمزى عضو مجلس النواب، الحكومة بمواجهة ظاهرة سرقات التيار الكهربائى بجميع أنواعها، مشيراُ إلى أنه تقدم منذ عامين بطلب إحاطة للحكومة حول هذه الظاهرة الخطيرة وطالب فيه من الحكومة استرداد مبلغ 3 مليارات جنيه خلال عام 2021 من خلال حملات مكثفة بجميع شركات توزيع الكهرباء ال9 على مستوى الجمهورية، للقضاء على سرقات التيار الكهربائي.
ولم يكتفى النائب البرلمانى والخبير القانونى بذلك بل تقدم بطلب إحاطة آخر جديد، تقدم به للمستشار الدكتور حنفى جبالى رئيس مجلس النواب لتوجيهه إلى الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، بعد أن أعلنت وزارة الكهرباء أن شركات توزيع الكهرباء الـ9 على مستوى الجمهورية ستبدأ فى تنفيذ قرار الشركة القابضة لكهرباء مصر الذى ينص على إلغاء المحاسبة بنظام الممارسة لسارقى التيار الكهربائي والمخالفين، وتركيب العدادات الكودية إجباريًا لهم، حتى لمن لم يتقدم بطلب على المنصة الموحدة لخدمات الكهرباء الإلكترونية، وذلك بالتنسيق مع مباحث شرطة الكهرباء، وتساءل النائب ما هو الوضع بالنسبة لمن يقومون بسرقة التيار الكهربائى بعيداً عن نظام الممارسة؟ وكيف تترك وزارة الكهرباء هذا الملف؟ ولماذا لا يتم القيام بحملات مفاجئة ومستمرة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة ؟
واتهم الدكتور إيهاب رمزى ، وزارة الكهرباء بالإهمال الشديد فى هذا الملف خاصة أن مبلغ ال 3 مليارات جنيه تم ضبطه من خلال مباحث الكهرباء وذلك منذ أكثر من عامين مما يؤكد أن قيمة سرقات الكهرباء أكبر من ذلك بكثير وهنا تكمن الكارثة لأن المنظومة غير منضبطة وهناك الكثير من سرقات الكهرباء التى لم يتم ضبطها ولابد أن تعمل وزارة الكهرباء على القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة.
مشيرًا إلى أن وصول قيمة سرقات الكهرباء إلى 3 مليارات جنيه يؤكد أن هذه السرقات استمرت لمدد طويلة ولم يتم اكتشافها بعد حدوثها بوقت قصير.