جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

تحقيقات وملفات   2025-01-07T13:59:56+02:00

أزمات متوقعة بين المستأجرين وأصحاب العقارات بسبب تعديل قانون الإيجارات

ايمان بدر

لسنوات أو ربما  لعقود طويلة ظلت الدولة المصرية تعيش حالة من " السمك لبن تمرهندى" حيث تتعامل بقوانين اشتراكية من المفترض أنها تنحاز للفقراء والعمال والفلاحين فى ظل واقع رأسمالى وتوجهات نحو اقتصاد السوق الحر وتشجيع رجال الأعمال والمستثمرين، وهو ما أفرز حالة من "السداح مداح" فى كل شئ، حيث نجد مصانع ومؤسسات تسرف فى تعيين كل من له واسطة أو معرفة وكل واحد معدى فى الشارع حتى أصبحت مثقلة بالخسائر ومع ذلك لا تجرؤ على تخفيف العمالة بقوة قانون يحمى العمال ويحول المكان إلى تكية للدراويش، بل ويحفظ لهم حقهم فى زيادات المرتبات والمكافآت والأرباح السنوية رغم أن المؤسسة على وشك الإفلاس، والنتيجة إفلاس ثم بيع.

 نفس الصورة تتكرر فى قوانين الأحوال الشخصية على طريقة "الشقة من حق الزوجة" حتى أصبح لدينا فتاة تتزوج من أى عريس لتحصل منه على الشقة والآثاث ثم تلقى به إلى الشارع وربما إلى السجن وتبحث عن آخر، ليرد عليها "أبو العيال" بأن يلفق لها  قضية مخلة بالشرف فقط لكى يستعيد شقته "شقا عمره".

نفس حالة الفوضى أصبحت فى الإسكان حين نجد عروسين يحملان كل عام أو عامين، منقولاتهما لتتكسر على سيارات النقل من مكان لآخر، مثلما يتحطم حلم الاستقرار على أعتاب شقق الإيجار الجديد وأرقامه التى تقفز بشكل جنونى، لتبتلع مرتب الشاب بالكامل حتى يعجز عن السداد، وغالبًا ما ينتهى الأمر بالطلاق ومحكمة الأسرة لتطالبه بتوفير مسكن للزوجية بعد انتهاء عقد الإيجار المؤقت، فى مقابل شقق أخرى بمساحات ضخمة وفى أحياء راقية لا يزيد إيجار الواحدة منها عن عشرة جنيهات، والأغرب أن والد هذا الشاب قد يكون أحد مالكى تلك العقارات ذات الإيجار القديم ولكنه لا يجرؤ على إخراج ساكن يدفع 10 جنيهات شهريًا منذ أكثر من 50 عامًا، وقد يكون المستأجر نفسه توفى تاركًا فيها أرملته وأبناءه وأحفاده، محميين بقوة عقد عليه ختم شعار "الجمهورية العربية المتحدة"، بينما مالك العقار لا يستطيع أن يوفر شقة لإبنه العريس العشرينى الذى يدفع 5 ألاف جنيه هى كل مرتبه إيجار شقة قد لا تصل مساحتها إلى نصف مساحة الشقة فى عمارة والده

وبالعودة إلى أسباب وجذور تلك المشكلة نجد أنها بدأت هى الأخرى بسبب التخبط بين القوانين الإشتراكية والواقع الرأسمالى، وتحديدًا منذ فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، شهدت مصر تغيرات اقتصادية وسياسية كبيرة كان لها تأثير مباشر في وضع الإسكان وأسعار الإيجارات؛ حيث شهدت فترة الستينيات حركة تأميم واسعة وتوسع لدور القطاع العام في الاقتصاد، وقد نتج عن تلك السياسات نقل ملكية العديد من العقارات إلى الدولة، وإعادة توجيه الموارد نحو الإسكان الشعبي والخدمات الاجتماعية، وفي السياق نفسه شهدت تلك الفترة زيادة سكانية كبيرة؛ الأمر الذي دفع لزيادة الطلب على الوحدات السكنية خاصة في المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية، كما شهدت المدن موجات من الهجرة من الريف إلى الحضر؛ الأمر الذي زاد الضغط على العقارات المتاحة للمواطنين ورفع تكلفة الإسكان.

وفي ظل سعي الدولة المصرية للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وحماية الفئات ذوي الدخل المحدود خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة للكثير من المواطنين والتي عانت منها مصر بعد الدخول في حربين في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن الماضي؛ الأمر الذي تسبب في انخفاض في فرص العمل وارتفاع البطالة، والارتفاع في معدلات التضخم والنقص الملحوظ في توافر الاحتياجات من المواد الاساسية، والتغير في السياسات الاقتصادية للبلاد نحو الانفتاح الاقتصادي في عهد الرئيس أنور السادات، وهو ما كان له أثر في ارتفاع أسعار السلع الأساسية ومواد البناء ودفع الحكومة لمحاولة التحكم في أسعار الإيجار كوسيلة لحماية المستهلكين من الارتفاع المتزايد في تكاليف المعيشة.

كل تلك العوامل كانت سببًا ودافعًا قويًا وراء وضع قوانين صارمة تتمثل في قانون الإيجار القديم الذي تم وضعه لضمان توفير السكن بأسعار معقولة وحماية المستأجرين من الارتفاعات المفاجئة أو غير المبررة في القيم الإيجارية، بهدف حماية المستأجرين وتثبيت أسعار الإيجارات حتى لا يصبح السكن عبئًا كبيرًا على الأسر متوسطة ومحدودة الدخل، خاصة في ظل حالة عدم التوازن بين العرض والطلب على الوحدات السكنية.

 

لدينا ٢.٨ مليون وحدة سكنية خاضعة لقانون صادر منذ ٤٣ عاماً

 

 

  • تقويض حقوق المالك مع تضاءل  القيمة الإيجارية وانخفاض القوة الشرائية في مواجهة التضخم
  • خلل في سوق العقارات بسبب توريث العقود وإهدار قيمة العدل 

 

جاء حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر في نوفمبر الماضي ليثير حالة من الجدل في المجتمع، حيث نص على عدم دستورية الفقرة الأولى من قانون الإيجارات القديم الصادر في عام ١٩٨١ أى قبل ٤٣ عاماً، هذه الفقرة تضمنت ثبات القيمة الإيجارية السنوية للأماكن المخصصة لأغراض سكنية، ودعت المحكمة مجلس النواب إلى تعديلها قبل انتهاء الفصل التشريعي الحالى، واستندت على أن ثبات القيمة الإيجارية لعقود طويلة لم يعد ملائماً للظروف الحالية من ارتفاع قيمة التضخم وغلاء أسعار العقارات ومواد البناء مقابل انخفاض القوة الشرائية لقيمة الأجرة السنوية مما يشكل إهدار لحقوق الملكية وعدوان على قيمة العدل بين المالك و المستأجر.

وحول هذا الجدل صدرت مؤخراً دراسة بعنوان ( قانون الإيجار القديم: حكم المحكمة الدستورية يغير قواعد اللعبة) أعدها الخبير الاقتصادي أحمد بيومى، أوضح خلالها أن القانون المعمول به حاليا حدد سقفاً للإيجار السنوى ( ٧٪ من قيمة الأرض عند الترخيص والمبانى طبقا للتكلفة الفعلية وقت البناء.

وأشار "بيومى" إلى وجود ٢.٨ مليون وحدة سكنية خاضعة لقانون الإيجار القديم وفقاً لبيانات وزارة الإسكان، ترتبط بايجارات رمزية، كاشفاً في سياق ورقته البحثية عن تحديات تتمثل في ضعف القيمة الإيجارية التى لا تعكس التغيرات في قيمة العقارات وتنحاز للمستأجر، دون مراعاة أزمات التضخم وغلاء الأسعار التى يعانى منها المالك ويتضاءل معها الدخل الذي يحصل عليه من تأجير عقاره ليكاد يكون معدوما، ووصفت الدراسة ذلك بأنه تقويض لحقوق المالك بصورة تمتد لعقود طويلة في ظل توريث الشقق المؤجرة من جيل إلى آخر، والنتيجة إستمرار الأوضاع غير المتوازنة لفترات طويلة وحدوث خلل في سوق العقارات ناتج عن عدم تجديد العقود القديمة بأسعار عادلة.

 

     

 

حقيقة استرداد ٤٥٠ ألف شقة مغلقة لصالح أصحاب العقارات

 

-        إيجار الشقة لا يتجاوز المئة جنيه سنويًا وقيمتها السوقية تصل إلى 5 ملايين جنيه ومثيلاتها تؤجر بأكثر من 10 آلاف جنيه شهريًا إيجار جديد

-        غالبية المستأجرين تركوها مغلقة وانتقلوا للإقامة فى "بيوت ملك"

 

تؤكد تصريحات قيادات التكتلات والاتحادات التى شكلها ملاك العقارات إن لدينا ٤٥0 ألف وحدة سكنية مغلقة غالبيتها في أرقى أحياء القاهرة والمدن الكبرى، غالبيتها يستأجرها أشخاص لديهم سكن آخر بل ومنهم من أقام منازل متعددة الطوابق ملكاً له، ومازال يحتفظ بشقته بالإيجار القديم ويدفع كل عام مبلغ قد لا يتجاوز المئة جنيه، في حين تتجاوز القيمة السوقية للشقة 5 ملايين جنيه وأكثر؛ لأن غالبيتها تقع في أرقى أحياء القاهرة والإسكندرية، بل وتؤجر مثيلاتها بما يتجاوز

 الـ ١٠ آلاف جنيه شهرياً ( إيجار جديد).

وعلى خلفية ذلك يطالب الملاك بتعديلات في القانون يجريها مجلس النواب تسمح باسترداد الشقق المغلقة من ناحية ورفع القيمة الإيجارية للشقق التي مازال المستأجرين يقيمون بها من ناحية أخرى، علما بأن مجلس النواب ملزماً بإجراء هذه التعديلات قبل منتصف ٢٠٢٥، ليبدأ تنفيذ الحكم فور انتهاء دورة العقد التشريعي الحالي.

وفي محاولة لوضع تقييمات عادلة للقيمة الإيجارية من المتوقع أن ينظر المجلس مقترحات حول ربط القيمة الإيجارية بتقديرات الضرائب العقارية حيث تمتلك الدولة تقييمات دقيقة لكل عقار يمكن الاستفادة منه، وبالتالي تزيد القيمة تلقائيا بناء على طبيعة العقار وموقعه، على غرار رفع إيجار الوحدات المؤجرة لصالح شخصيات اعتبارية

 ( لأغراض تجارية) بنسبة ١٥٪ سنوياً بعد صدور قانون أقره مجلس النواب عام ٢٠٢٢ بزيادة الأجرة بما لا يزيد عن ٥ أضعاف للأشخاص الاعتبارية، كما نص هذا القانون على أن تعود الوحدة إلى مالكها بقوة القانون بعد ٥ سنوات فقط، وله أن يعيد تأجيرها لمن يشاء أو يتصرف فيها كيف يشاء، لكنه لم يتطرق للشقق السكنية.

وعلى جانب آخر كان الرئيس عبد الفتاح السيسي شخصياً قد طالب خلال مؤتمر حكاية وطن الذي انعقد في أكتوبر ٢٠٢٣ بضرورة التعامل مع مشكلة العقارات من خلال وجود قانون يحقق التوازن بين مصالح الملاك والمستأجرين.

حيث يحقق رفع القيمة الإيجارية فائدة مزدوجة للمالك والدولة أيضاً لأن الأخيرة تحصل على ضريبة على العقارات المؤجرة بقيمة من صافى الإيجار السنوى، وبالطبع سوف تزيد الحصيلة الضريبية مع زيادة القيمة الإيجارية الإجمالية، أما الآن فغالبية الملاك واقعون تحت خط الشريحة المعفاة.

 

       روشتة إقتصادية لتعويض المستأجرين دون الضغط على ميزانية الدولة

 

-        آليات التمويل تعتمد على رسوم يدفعها المالك المستفيد من إسترداد عقاره

-        تشمل الحصول على نسبة من قيمة العقار مابين 5% إلى 10% لتوفير سكن بديل للمستأجر وتفادى الغضب المجتمعى

 

توقعت الدراسة حدوث أزمات مع بدء دخول القانون حيز التنفيذ، خاصًة مع الوضع فى الاعتبار المستوى الاجتماعي لبعض من قاطني تلك العقارات، وهو ما يتطلب استحداث برامج دعم اجتماعي للمتضررين من تعديلات قانون الإيجارات؛ الأمر الذي يسهم في تحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي؛ حيث يساعد هذا الدعم على تخفيف الأعباء المالية الناجمة عن زيادة الإيجارات أو التكاليف السكنية، وإقترحت الدراسة أن تكون تلك البرامج في شكل برامج دعم مباشر، مثل الإعانات المالية أو القروض منخفضة الفائدة،  حتى يتسنى للمستأجرين الانتقال إلى مساكن بديلة تتناسب مع قدراتهم المالية؛ مما يقلل من احتمالية تعرضهم للإخلاء القسري أو التشرد.  وحتى لا يحدث غضب مجتمعى يعزز الدعم الحكومي والاجتماعي للمستأجرين من ثقة المواطنين في العدالة الاجتماعية ودور الدولة في حماية الفئات الأكثر تضررًا.

ولكن تبرز هنا تحديات في ظل وضع المالية العامة والعجز الذي تعاني منه الموازنة العامة للدولة، يعتبر البديل الخاص بصرف تعويضات للمتضررين من تعديل القانون أمر غير واقعي، ومن ثَمّ فإن البحث عن مصادر تمويل بديلة من خارج الموازنة العامة للدولة يعتبر هو السيناريو الأكثر واقعية، وذلك عن طريق الحصول على رسوم من المنتفعين من تعديل ذلك القانون لتعويض المتضررين منه، وهو ما يعني أن يتم تمويل برنامج دعم المستأجرين المتضررين من تعديلات قانون الإيجارات من خلال إشراك ملاك العقارات المستفيدين من استرداد عقاراتهم، ويتم ذلك عبر مطالبة الملاك بسداد نسبة من ثمن العقار المستعاد إلى صندوق خاص تديره الدولة، على أن تُستخدم هذه الحصيلة في تمويل برنامج دعم سكني شامل للمستأجرين المتضررين؛ إذ يمكن فرض نسبة تتراوح بين 5% و15% من القيمة السوقية للعقار إلى الصندوق، ويتم تحديد تلك النسبة بناءً على معايير مثل الموقع وقيمة العقار الحالية.

وأكد "بيومى" فى ختام ورقته البحثية على أن هذا المقترح يسهم في زيادة حصيلة الدولة من خلال إيرادات إضافية ناتجة عن إسهامات الملاك المستفيدين، دون فرض أعباء ضريبية جديدة على عموم المواطنين، هذه الإيرادات تُستخدم لتمويل برامج دعم السكن الاجتماعي؛ مما يعزز قدرة الدولة على تقديم الدعم الانتقالي للمستأجرين المتضررين، كما يحقق المقترح عدالة اجتماعية من خلال التوازن بين حقوق الملاك والمستأجرين، كما يشجع المقترح على استدامة السوق العقاري من خلال إعادة العقارات إلى قيمتها الحقيقية وإعادة تسويقها، وتحفيز الاستثمار في تطويرها وصيانتها، مما ينعكس إيجابًا على النشاط الاقتصادي بشكل عام.


مقالات مشتركة