
حين وقعت الحكومة المصرية اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة ( الكويز) في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك وتحديداً في شهر ديسمبر عام ٢٠٠٥، تصاعدت الإنتقادات خاصةً من القوى السياسية اليسارية والتيارات المتأسلمة علما بأن هذين الجانبين لم يتحدا إلا على معارضة وتخوين الرئيس الراحل أنور السادات بسبب توقيعه معاهدة السلام مع إسرائيل، وهو ما دفع المراقبون آنذاك إلى أن يتوقعوا لمبارك نفس مصير السادات، وربما كانت هذه الاتفاقية بمثابة المسمار الأول في نعش هذا النظام قبل أن تأتى انتخابات مجلس الشعب عام ٢٠١٠ لتكتب نهايته ولكن بالخلع من خلال ثورة يناير وليس بالاغتيال على غرار سابقه.
ومثلما تكشفت الآن مدى قدرة بطل الحرب والسلام على استشراف المستقبل واستباق الأحداث وأنه لولا تلك المعاهدة التى دفع ثمنها حياته لكان مصير سيناء لا يختلف عن غزة والضفة والجولان، يبدو أن التاريخ اثر أن ينصف مبارك هو الآخر وأن يثبت جانباً مضيئا من فكرة توقيع الاتفاقيات مع العدو الإسرائيلي بشكل عام.
وفي هذا السياق نعلم أن اتفاقية كامب ديفيد هى الآن ورقة رابحة تضغط بها مصر على الكيان الصهيوني في مفاوضاتها لصالح حقوق الشعب الفلسطيني من ناحية كما تلعب دوراً في حماية الحدود المصرية مع غزة وتحديداً أرض الفيروز من ناحية أخرى، أما عن اتفاقية الكويز فقد عادت إلى المشهد الاقتصادي والسياسي أيضاً على خلفية قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية تقدر ب ١٠٪ على البضائع المصرية المصدرة إلى السوق الأمريكية، وعملاً بمبدأ ( إللى تكسب به ألعب به) أخرج رجال الأعمال والمصدرون المصريون بروتوكول الكويز من أدراج مكاتبهم للاستفادة من أن هذه الاتفاقية تمنح مصر فرصة للتصدير إلى الولايات المتحدة الأمريكية بأسعار تنافسية، علما بأنها تشترط احتواء المنتج المصري النهائي على خامات ومكونات إسرائيلية بنسبة ١٠.٥٪ مقابل أن تغزو منتجات مصر من الغزل والنسيج السوق الأمريكية دون دفع جمارك، وبلغة الأرقام يمكن ترجمة هذا البروتوكول حالياً إلى ما يعرف في أوساط رجال الأعمال بمصطلح (صفر+ ١٠٪).
وإذا كان ( ترامب) بوصفه رجل أعمال من العيار الثقيل قد أعلن حربا اقتصادية ليحقق بها مكاسب ضخمة لبلاده وينقذ اقتصادها المترنح من ناحية ويضغط بها على دول تنافسه ولا تروق له من ناحية أخرى فقد وجد بعض مستثمري هذه الدول متنفس للهروب من المعركة الترامباوية عن طريق الاستثمار في مصر.
وعلى خلفية ذلك كشف تقرير خاص لشبكة سي إن إن الاقتصادية عن أن المجلس التصديري المصري للملابس الجاهزة استقبل مؤخراً نحو ١٥ مستثمر أجنبي خلال الأسابيع الماضية، جاءوا للبحث عن قدرات إنتاجية شاغرة للاستثمار في مصانع المنسوجات المصرية وتصدير منتجاتهم من مصر، بدلاً من بلدانهم التى فرض عليها ترامب رسوم حمائية كبيرة، ولأن الحرب الاقتصادية في الأساس بين ترامب والتنين الصينى كشف التقرير أن هؤلاء المستثمرين ينتمى بعضهم إلى الصين وآخرون جاءوا من الهند وبنغلاديش وكامبوديا واندونيسيا.
ولأن الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة يطالب الخبراء بأن تستخدم مصر ورقة الكويز للضغط على إسرائيل نفسها، لأن الكيان المحتل يعانى حالياً من أزمة اقتصادية شديدة بسبب طول أمد الحرب وتشعبها من غزة إلى الضفة إلى سوريا ناهيك عن الضربات الإيرانية والحوثية علماً بأن حكومة بنيامين نتنياهو أساساً كانت مثقلة بأعباء اقتصادية تصل إلى اتهامات بالفساد المالي تطال رئيس الحكومة نفسه، بالإضافة إلى توقف السياحة وتضاءل الموارد للدولة المحتلة التى لولا الدعم الأمريكي لسقطت منذ فترة طويلة، ومن ثم يمكن أن تجد فرصة لأن تبدأ في التعافى إقتصاديا إذا ما فعلت مصر بنود ( الكويز) واستوردت خامات من تل أبيب مقابل موافقة حكومة نتنياهو على وقف إطلاق النار والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني بدءاً من حق عودة أهالى غزة وإعادة الإعمار وصولاً إلى حل الدولتين.