جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الادارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2025-10-27T08:24:46+03:00

رحيل حكومة مصطفى مدبولى مطلب شعبى

سيد سعيد

 

 

 

 

آفة هذه الحكومة أنها تغرد بمفردها فى واد غير وادينا، فهى لا تخاطبنا، ولا نحن نسمعها، لأنها تعيش بمعزل عن احتياجات ومتطلبات الشعب المطحون حتى النخاع، ومن الغباء تصور أنها تعمل فى إطار منظومة لديها خطط مستقبلية، أو تصور أنها تنفذ الرؤية الاستراتيجية للقيادة السياسية، التى حدد معالمها الرئيس عبدالفتاح السيسى،  وركزت بالأساس على النهوض بالعنصر البشرى صحيًا وعلميًا، قبل الملفات الأخرى، وعلى رأسها الملف الاقتصادى، بما يخفف العبء على الفئات الفقيرة، ويمكنهم من مواصلة الحياة، والقصد هنا هو توفير المتطلبات الأساسية والضرورية، وأظن، وليس كل الظن اثم، أن هذه هى مهمة الحكومة، لكن ممارساتها الفعلية، تسير عكس تلك الرؤية،

لذا فإننى لا أعرف بالضبط، كيف أبدأ، أو من أين أبدأ، ولا أعرف الى أى المسارات سيقودنى الحديث عن تلك الحكومة، وتناقض تصريحاتها مع قراراتها، فلو كان لديها أجندة سياسية، لجاز لنا، باعتبارنا أصحاب مصلحة، وصف سياستها بالفشل، لكنها، وهذه حقيقة، لا تملك أجندة سياسية، حتى تتهمها بالفشل، بل هى أبعد ما تكون عن الحكومات السياسية، التى تدرك مسؤولياتها تجاه مجتمعاتها، باعتبار أن الحكومات راعية للشعوب وليست تاجر جشع، لا يهمه سوى تنفيذ ما يراه فى صالحه، كما أن تلك الحكومة، ليس لديها قدرة على ابتكار الحلول الناجزة، والاستعانة بالخبراء فى المجالات المختلفة، انما تصنع الأزمة تلو الأزمة بقرار يليه قرار، ثم تنصرف الى حال سبيلها، تاركة الشرائح المجتمعية تواجه تداعيات صنيعها، فنحن أمام حكومة لا هى سياسية بالمفهوم المتعارف عليه فى الأدبيات السياسية، ولا هى حكومة تكنوقراط متخصصة فى إدارة الملفات الحياتية والاقتصادية، ولهذه الأسباب صارت عبئا على النظام والشعب على حد سواء، وأصبح رحيلها عن المشهد رغبة شعبية بامتياز .

و قد لا أذيع سرًا إذا قلت، بل وأكدت، على أن قرارات حكومة الدكتور مصطفى مدبولى، لا تخضع لأى معايير، ولا تراعى البعد الاجتماعى، وليس لديها أى رؤية واضحة، لمراعاة الحدود الدنيا للفئات المطحونة بفعل فاعل، وليس سرًا أن الزيادات التى لا تتوقف فى أسعار الوقود رغم انخفاض أسعاره عالميًا، سوف يؤدى بالتبعية إلى إرهاق جيوب المواطنين، وإشعال نار الأسعار لكافة السلع الأساسية والخدمات الضرورية، ولا أبالغ على الاطلاق حين أقول إن الحكومة ذاتها، تسبق الجميع فى رفع أسعار شرائح الخدمات الضرورية «الكهرباء والغاز والمياه» وبقية الفواتير الأخرى، قبل أن تصدر القرارات الرسمية بزيادة أسعار المواد البترولية، هذه حقيقة يعلمها الجميع ويقر بها الجميع، حتى ولو كذبتها الحكومة فى بياناتها وتصريحاتها، التى لا تسمن ولا تغنى من جوع، لأنها دأبت على ابتكار المصطلحات الفارغة من المضمون، والمجافية للحقيقة المرة، فكلما وجهت صفعة جديدة على وجه المواطن بزيادة جديدة فى أسعار المواد البترولية، تخرج عبر أعلامها وتصريحات وزرائها، لتقول أن تلك الزيادة تصب فى مصلحة المواطن، حتى تحول الأمر إلى نكتة سخيفة مفعمة بمرارة السخرية، كعادة المصريين، حين يمارسون أساليب الاسقاط على الواقع بالعبارات الساخرة والأكثر مرارة.

وفى سياق تناقض التصريحات مع القرارات، هناك حزمة من الحقائق، لا يمكن إغفالها، ومفادها أن المواطن لم يعد فى حاجة لأن يستمع لتصريحات الحكومة، لكى يصدقها أو يكذبها، فهى بالنسبة له مجرد عبارات انشائية فارغة، لا تقدم ولا تؤخر، ولا تشى بأى أمل منشود على المنظور القريب او على المدى البعيد، ولو بأمل ضئيل لتحسين الأوضاع، فالواقع على الأرض معلوم للكافة، فهو أصدق أنباءًا من تصريحات الحكومة، فالتغيير الى الأصلح فى ظل وجودها، أصبح محال، فرئيس الوزراء قبل شهرين أكد بعدم زيادة المواد البترولية، بل أشار إلى إمكانية تخفيض الأسعار، إذا انخفضت عالميًا، فما بالنا والأسعار العالمية انخفضت، والدولار انخفض سعره الرسمى، لذا فإن تصديق تلك الحكومة، يصبح من السذاجة البينة.

ونظرة عابرة على الزيادة الجديدة فى أسعار المواد البترولية، سنجد أنها غير مبررة من حيث التوقيت، أو من حيث ملائمتها للظروف الحياتية التى يمر بها المصريون، فهى جاءت فى وقت شديد الدقة، وقت تفاعل فيه الشعب بأكمله، تفاعلًا ايجابيًا مع نجاح القيادة السياسية فى إدارة أحد اهم الملفات الإقليمية المرتبطة بصورة مباشرة مع مفردات وضرورات الأمن القومى المصرى، وهو ملف التهجير والقضية الفلسطينية، وفى ظل الفرحة العارمة بنتائج مؤتمر شرم الشيخ، جاء قرار رفع أسعار المحروقات، دون النظر إلى أن هذه الزيادة سترفع تكاليف إنتاج المستلزمات، وتضاعف قيمة النقل بكافة أشكاله، نعم بكافة أشكاله وأنواعه من التوك توك الى التاكسى ومن الميكروباص الى سيارات نقل البضائع ونقل الركاب، وزيادة أسعار المواد الخام، وما يتبع ذلك من تكاليف التصنيع والزراعة، وغيرها من متطلبات الحياة، فجميعها تساهم بشكل مباشر فى ارتفاع أسعار المنتجات النهائية، الى جانب أسباب أخرى مثل الممارسات التجارية غير العادلة، أو المضاربة فى أسعار بعض السلع، مما يؤدى إلى ارتفاعات غير مبررة، تقع على عاتق المستهلك، الذى أصبح لا حول له ولا قوة، فى ظل الغياب التام من أجهزة الدولة الرقابية.

والغريب أن الحكومة ليس لديها أى ابتكارات أو أفكار خارج الصندوق لتعظيم موارد الدولة، فقط الاقتراض من صندوق النقد أو بيع الأصول، والاتجاه المعتاد صوب جيوب المواطنين، دون اكتراث بتداعيات تلك الإجراءات، وتأثيرها على الظروف المعيشية لغالبية الشرائح المجتمعية، التى تعانى من ارتفاع أسعار المتطلبات الحياتية والدواء وغير ذلك.

من المؤكد ان وضع ضوابط للأسعار يُمكن الحكومات من التدخل المباشر لضبط الأسعار، مع ضرورة الأخذ فى الاعتبار، أن ذلك يصب فى مصلحة المستهلك والتاجر على حد سواء، لذا فإن التوجه الحقيقى لمعالجة الظاهرة المنفلتة والمتوحشة، يتطلب وضع سياسات اقتصادية تحمل رؤية، وتهدف إلى تناغم مستويات الدخل مع الانفاق على السلع والخدمات الضرورية، الى جانب الشفافية وتوضيح أسباب القرارات، لتنمية الوعى المجتمعى، للتعاطى مع تلك القرارات ومواجهة تداعياتها.

فى هذا السياق لا يمكن لنا أن تستثنى الشعب المصرى ونعتبره حالة متفردة عن الشعوب الأخرى التى تواجه ارتفاع الأسعار، بمعنى أننا لسنا حالة استثنائية، لكننا كغيرنا من شعوب دول العالم الثالث نعانى من مشكلة غلاء الأسعار وضيق ذات اليد، وهى من المشكلات التى قد يكون لها أسباب كثيرة، لكن الاستثناء الوحيد تلك النظرة المتعالية من الحكومة، واعتبار ما تفعله قمة الانجاز وتحسن الأوضاع، وهذا على غير الحقيقة، حيث لا يوجد مردود مباشر يشعر به المواطن بتحسن اوضاعه.


مقالات مشتركة