جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2019-07-02T20:04:12+02:00

أوهام جاريد كوشنر لانهاء القضية الفلسطينية

سيد سعيد
**الفلسطينيين يعتبرون أن المشاركة تنازلاً وتفريطاً بحقوقهم الوطنية والتاريخية.
** المؤتمر تمهيد أمريكى لإقامة علاقات مباشرة بين العرب وإسرائيل بما يخدم المشروع الصهيونى في المنطقة
**مصر شاركت بأدنى مستوى تمثيل ، فهى لم ترسل وزير خارجيتها أو وزير ماليتها ، لكنها أرسلت موظفا كبيرا من وزارة المالية
** الأنظمة العربية لا تستطيع تمويل الاحتلال تحت لافتة الاستثمار في الأراضي الفلسطينية.
** مهما بلغت درجة رضوخ بعض الحكام للسياسات الأمريكية ،لا تيستطيعون تقديم تنازلات لانهاء القضية الفلسطينية .


قبل أيام احتل الحديث عن صفقة القرن مكان الصدارة، وأصبحت أخبار مؤتمر البحرين مادة دسمة وشهية على مائدة النقاش السياسي فى الشارع العربي ، مادة جري تداولها باسهاب على ألسنة المتخصصين وغير المتخصصين ، أى من يعرفون ومن لا يعرفون ، فاختلطت الأشياء ولم تعد هناك أية معايير للحكم عليها،كما لم تعد هناك فروق واضحة بين السياسة والبيزنس، بين الصفقات والمزايدات، بين الموائمات والمؤامرات . تصدرت أخبار الورشة شاشات الفضائيات والمواقع الاخبارية، كما لاقى الحديث عنها رواجا واسع النطاق بين رواد مواقع التواصل الاجتماعى والسوشيال ميديا، كل راح يدلو بدلوه فيها ،ويتحدث عنها من وجهة نظره، وحسب أهواءه نحو أنظمة الحكم، تارة بالتبرير، وتارة أخرى بالاستنكار، فهناك من رأى فيها تفريطا فى فلسطين والقدس، وجع العرب الأزلى وأهم قضية فى تاريخهم الحديث والمعاصر، ومنهم من رأى أن المؤتمر موافقة ضمنية من بعض الحكام ، بقبول احتلال الأراضى العربية، ومنهم من وصفه بجريمة الخيانة العظمى،التى ستلحق العار بالمشاركين فيه، وما بين هذا وذاك لا يمكن تجاهل، أن المشاركين عجزوا عن اظهار التباهي بالمشاركة، على الأقل لتبرير تواجدهم مع الاسرائليين ، والعجز هنا ليس من باب الخجل، انما لأن الفلسطينيين أنفسهم وهم أصحاب الشأن ، يعتبرون أن المشاركة تنازلاً وتفريطاً بحقوقهم الوطنية والتاريخية . ما يهمنا فى هذا السياق هو موقف الدولة المصرية ، باعتبارها الدولة المؤثرة والفاعلة فى المشهد العربى برمته ، وطرف رئيسي فى معادلة الصراع منذ نشأته والى الآن ،وأيضا الدولة المستهدفة من حملات التشويه الممنهجة،حيث تعرضت لشائعات كثيرة بدعم من حكام واعلام قطر وجماعة الاخوان واعلامهم الضال والمضلل ، مفاد ما يرغبون ترويجه، هو تورط مصر فى الصفقة المشبوهة ،والتشكيك فى القيادة السياسية للنيل منها فى الأوساط الشعبية ، عبر ترديد الأكاذيب من خلال اللجان المحترفة ، التى تستغل بعض الأحداث الارهابية التى يصنعونها فى سيناء ، لتكريس فكرة تفريغها من السكان ، من دون النظر لحجم مشروعات التنمية والتعمير ومن دون النظر بالعقيدة المصرية التى تدفع الجميع للاندفاع نحو الموت مقابل الحفاظ على التراب ، ومن دون النظر لسياسة الرئيس عبدالفتاح السيسي الرامية لحماية الأمن القومى المصرى الممتد الى شمال سورية، ودرايته بالأهمية الاستراتيجية لسيناء والأراضى الفلسطينية .


وبالنظر الى مؤتمر البحرين سنجد أن الدولة المصرية شاركت، لانها لابد وان تشارك ، لكن مشاركتها تمت بصورة رمزية فى هذه الورشة ،أى بأدنى مستوى تمثيل ، فهى لم ترسل وزير خارجيتها أو وزير ماليتها ، لكنها أرسلت موظفا كبيرا من وزارة المالية، وهذا يحمل العديد من الدلالات ، منها أن المشاركة المصرية ضرورية فى كل شأن عربي ، بغض النظر عن قبول أو رفض، ما تسفر عنه مثل هذه المؤتمرات من نتائج أو بيانات ، خاصة أن القيادة السياسية، أعلنت موقفها الرسمى الرافض، بدون أى مواربة، لكل ما يتعلق بالأطروحات التى خرجت على السطح، سواء قبل انعقاد الورشة أوأثناء انعقادها ، ولا أبالغ ان قلت أن الرفض منذ أن خرج المصطلح الى سطح المشهد السياسي قبل قدوم ترامب للبيت الأبيض ، وهذه الأطروحات تمثلت فيما جرى الترويج له عن أوهام الوطن البديل للفلسطينين ،واقتطاع جزء من سيناء، وما شابه ذلك من " هرتلات" لم تجد لها مكان الا فى وسائل الاعلام المشبوهة ، بهدف التتشكيك فى نظام الحكم واتهامه بالتواطؤ ، مصر وعلى لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي لم تتوان لحظة فى التأكيد على حق الشعب الفلسطينى فى اقامة دولته على حدود 4 يونية 1967 ، وأن القدس عاصمتها الأبدية، وهذا الموقف يمثل مسئولية مصر التاريخية ولا يقبل المزايدة من أحد ، والأهم هو عدم مجرد الاستماع لأى شئ يتعلق بسيناء ، حيث لم تجرؤ ولن تجرؤ دولة فى العالم التحدث عن أمور تتعلق بالأراضى المصرية . لكن ربما يقول قائل أن الاعلام الاسرائيلى ، يقوم بنشر خرائط من وقت لآخر تتضمن اقتطاع أجزاء من سيناء بزعم توطين الفلسطينيين فيها ، بما يشير الى أنها هدفا لهم ، أنا هنا لا أنكر أنها هدف بالنسبة لهم ، فهذا الأمر معروف ، وسبق أن طلبوا من مبارك ذلك، ورفض اكمال الحديث مع محدثيه ، وتجدد الأمر فى الحقبة السوداء "فترة حكم الاخوان " وتصدى السيسي عندما كان وزيرا للدفاع آنذاك لهذا الأمر ، وأحبط المشروع ، حيث كان دعم الأمريكان للاخوان وايصالهم للحكم من أجل هذا الغرض، وأثناء حكم السيسي ، لم يحاول أى مسئول أمريكى أو اسرائيلى الاقتراب من تلك المنطقة الشائكة ، فهى محفوفة بالمخاطر والمواجهات ان تطلب الأمر ، فالارهاب بسيناء من أجل هذا الهدف ، والهجوم الاعلامى المتكرر ، لأجل هذا الهدف ، ومحاولات قطر زعزعة الاستقرارفى مصر لأجل هذا الهدف ، وهرتلات أردوغان لا تخرج عن سياق الهدف وأغراض الاخوان والتحريض على الفوضى لاجل هذا الهدف . فى تقديرى أن كل ما ينتج عن ورشة البحرين ، وأن كل ما سوف يتم الاتفاق عليه، ان تم اتفاق ،سيصبح بلا قيمة، بمعنى أنه هو والعدم سواء، وهذه الرؤية ليست عاطفية ، فبحسب متابعتى لما راج عن هذا الأمر منذ سنوات قريبة ، وبحسب الخبراء والمتخصصين فى القانون الدولي ،لا يمكن اتمام هذه الصفقة ، أما السبب فهو أن الشعب الفلسطيني صاحب الشأن، لم يشارك، ولم يمنح تفويضا لأى من المشاركين بأن يتحدث أو يتفاوض باسمه فى قضيته المصيرية ، لذا فان القادة الفلسطينيون رفضوا الخطة وقاطعوا الورشة، كما أصر محمود عباس أبو مازن، رئيس السلطة الفلسطينية، على ضرورة وجود اتفاق سياسي مع إسرائيل قبل أي شيء آخر، الى جانب ذلك هناك رفض مصرى لأى محاولة من شأنها العبث بالقضية الفلسطينية .


كل المؤشرات تذهب الى أن مؤتمر البحرين ليس بداية لمشروع سلام دائم بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واقامة دولة فلسيطينية ، وإنما هو تمهيد أمريكى لإقامة علاقات مباشرة بين العرب وإسرائيل بما يخدم المشروع الصهيونى في المنطقة. معطيات الواقع وبرغم ما تمر به المنطقة العربية من أحداث جسام ، تؤكد بما لا يدع مجالا لأى شكوك ، أن أنظمة الحكم العربية مهما بلغت درجة رضوخ البعض منها للسياسات الأمريكية ،لا تستطيع تقديم تنازلات من شأنها انهاء القضية الفلسطينية وفق الرغبة الصهيونية ، ولن تستطيع علنا أو سرا ،أن تمنح شرعية للاحتلال من أجل البقاء في القدس والضفة الغربية، ولن تستطيع أيضا ، القيام بتمويل الاحتلال عبر مسميات مختلفة مثل، الاستثمار في الأراضي الفلسطينية. جانب آخر يجب التوقف أمامه ، وهو أن ورشة البحرين بلا غطاء دولي ولا قانوني،لكنها نوعا من المباريات السياسية التى تظهر شيئا بصورة علنية ، وتخفى أشياء تظل فى مرمى التكهنات أى أنها نموزج للغب على المكشوف واللعب الخفى لجرجرة الدول المشاركة للايحاء بما يعنى قبولها اغتصاب إسرائيل لأرض فلسطين بموافقة عربية وتبعية لترامب. ان مواجهة الأطروحات الأمريكية المعبرة عن الرغبة الاسرائيلية، لا تتطلب هتافا عنتريا ، أو صراخا فى الفضائيات،واتهامات عشوائية هنا وهناك ، لا تعبر بجلاء عن حقيقة المواقف، لكنها تتطلب اجراءات عملية على الأرض ، أتحدث عن اجراءات لا مزايدات بين فصائل متنوعة ، يكمن جوهرها فى وحدة الصف الفلسطيني أولا، والعربى ثانيا ، فاذا تحقق هذا يمكن مواجهة المخططات الأمريكية بكل أشكالها ومسمياتها ، ومنها مصطلح صفقة القرن الذى طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط وقام بتسويقه اعلاميا وسياسيا صهره ومستشاره الأقرب، جاريد كوشنر ، الذى قال إن خطته ستقدم للفلسطينيين مستقبلا أكثر ازدهارا إذا وافقوا على اتفافاق سلام مع إسرائيل ، رغم أن الؤتمر لم يقترب من أحديث عن السلام ، فقط تحدث عن قروض هنا وهناك، وبعض المنح وتمويل المشروعات، بينماتفاصيل التنازلات عن الأرض، وشكل الدولة وحدودها كلها ظلت غامضة ،بما يعنى أن الخطة تقوم على عمليات بيع وشراء فى الفراغ ، فلا أحد يعرف المقابل للأموال المعروضة ، أى ما هو الثمن الذى سيدفعه الفلسطينيين مقابل المليارات التى سوف يتم ضخها مقابل الموافقة على السلام ، ولا أحد من المشاركين لديه القدرة على المجاهرة بما يدور فى الكواليس .

جوانب أخرى تجعل الأمر مرفوض على المستويات الشعبية العربية التى تشكل وعيها على طبيعة الصراع العربي الصهيونى ، بما يعنى أن الصفقة يستحيل تسويقها وفرضها على طريقة المليارات مقابل الأرض ، ما يجعل القضية الفلسطينية حاضرة فى المشهد الدولى، لكن لكى يتحقق ذلك ، لابد من تماسك الجبهة الداخلية الفلسطينية ، خصوصا أن الفصائل الفلسطينية كافة أبدت موقفا موحدا من مؤتمر البحرين والصفقة برمتها ، وهذا يصلح أن يشكل بداية لإعادة طرح موضوع المصالحة بين الفصائل لمواجهة أية تداعيات محتملة قد تعود بالضرر على القضية الوطنية والمشروع الوطني الذى يهدف إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لقرارات الأمم المتحدة لا ينكر أى مراقب أو متخصص فى الشأن الفلسطينى ، حالة التفاؤل من تصاعد الرفض الشعبي العربي لمشروع صهر ترامب ولمؤتمر المنامة الاقتصادي، وهذا بدوره يعبر عن صحوة من شانها ان تعيد الصراع الى قواعده، وكذلك إعادة اتجاه البوصلة العربية نحو فلسطين والقدس مرة أخرى . وعلى الجميع أن يعلم حزمة من الحقائق التى يجب أن تكون حاضرة فى الذهنية الفلسطينية ، منها أن النضال من أجل تحرير الأرض سيظل مقرونا بالوحدة والتناغم بين مختلف المكونات والفصائل والشخصيات الفلسطينية وهو الأداة الفاعلة لتحقيق النتائج وانتزاع المكاسب ،ولا أمل لفلسطين بغيرها

مقالات مشتركة