جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2022-02-24T23:49:49+02:00

الحكومة لا تستيقظ من الغيبوبة الا بعد خراب مالطا

سيد سعيد

لم أعثر فى قواميس اللغة على أي مفردات ، تصف بدقة ما وصل إليه حال الحكومة .. هل هى  فى غيبوبة ؟ .. أم أن البلادة "التبلد" صارت جزءاً من طباعها ولم تعد عابئة باى شئ ؟ .. فسواء كانت فى غيبوبة  أو متبلدة، ففى الحالتين ليس هناك سوى نتيجة واحدة، عنوانها الفشل ، الذ يعبر  بجلاء عن حقيقة عجزها  البين ، و فقدانها القدرة على التعاطى مع مسؤولياتها بالتصدى  للكوارث الهائلة ، التى تداهمنا على مدار الساعة، ولا تحرك ساكناً، وكأن ما يجرى من فوضى صارخة أمام سمعها و بصرها، لا يعنيها من قريب أو من بعيد ، أو  أن المشاهد و الوقائع الصارخة تحدث فى بلد آخر ، غير البلد الذى تعيش فيه ، وتتولى مسؤولية حمايته من العبث،  فهى فى جميع الأحوال لا تتحرك  إلا بعد خراب مالطة ، تظل تصم  اذانها شهور وسنوات ، لكى لا تسمع عمداّ صراخ ضحايا بيع  الوهم على ايدى فئة احترفت النصب العلنى بتراخيص حكومية أو بعلمها ورعايتها من دون ترخيص  .

قبل ايام قليلة وعلى استحياء، استيقظت الحكومة من غفوتها ، او بتعبير أكثر دقة ، فاقت مؤقتاً من غيبوبة طويلة ، بعد  واقعة القبض على الصيدلى أحمد أبو النصر  ، بتهمة انتحال صفة طبيب يعالج المرضى ، بالمناسبة هو يزعم قدرته على علاج جميع الامراض ، ولديه ادوية لكل الامراض ، وقيامه بالترويج عبر القنوات الفضائية لتركيبات عشبية، يزعم أنها ادوية خارقة ، تعالج عشرات الأمراض المزمنة والمستعصية بصورة مذهلة ،  ولأن الحكومة تعيش فى واد آخر  ، و تعيش معها السلطات الرقابية المتعددة فى مختلف الوزارات والهيئات ، مثل الرقابة على الدواء و الرقابة الاعلامية، التابعة للهيئة الوطنية للاعلام ، المنوط بها مراجعة سلامة ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة من مواد اعلامية واعلانية  ، وهنا علينا ان نتوقف لمعرفة المذيد من تفاصيل تلك الجريمة ، التى تورطت فيها القنوات الكبيرة ذائعة الصيت ، وغيرها من المعروفة باسم قنوات بير السلم ، حيث يتم تخصيص برامج لعمل الدعاية للاطباء ، وليست للتوعية الصحية ، انما لجنى الأموال التى يتم دفعها على سبيل الدعاية والاعلان ، ورغم تعدد الوقائع التى يتم كشفها ، الا ان الوكنية للاعلام تعيش فى غيبوبة ،و كذا جهاز حماية المستهلك المنوط به التحرك السريع لمواجهة عمليات النصب والعلاج وبيع الادوية مجهولة المصدر فهو لا حس ولا خبر ، او يبدو ان سطوة حماة المراكز اكبر من ان يواجهها  ، كما لا يمكن اغفال دور وزارة الصحة فى تلك المهازل ،فهى  تمنح التراخيص بدون ضابط أو رابط، لذا  جرى ما جرى فى مصر  فى الاونة الاخيرة   .

احد باعة الوهم احمد ابو النصر ، يا سادة يا كرام ، لم يمارس نشاطه والترويج لبضاعته فى يوم وليلة ، انما هو ذائع الصيت ، حيث تفرد له ولغيره القنوات الفضائية مساحات زمنية كبيرة بمقابل معلوم ، لاستعراض مهاراتهم فى وصف العلاجات وبيعها كادوية للمرضى بمبالغ طائلة ، ابو النصر يفعل هذا من دون ان يقدم نفسه على حقيقتها ، حتى يعلم الناس تخصصه فتاهت المعلومات المرتبطة به لدى الحالمين بالشفاء السريع من الامراض المزمنة ، فتوافد عليه الآلاف من المواطنين ، للحصول من مراكزه المنتشرة على الدواء ،

وفى ظل حالة الفوضى وقع عشرات الآلاف فى الشرك المنصوب لهم باحترافية فائقة ، وعندما كثرت اعداد ضحايا الدواء المزعوم "الكوركمين" ، وتعددت البلاغات الرسمية بشانها ، بعدها تحركت الجهات المسؤولة، وكأنها لم تعرف من قبل ، فقط عرفت بقصة انتحال الصفة والدواء الوهمى ، لأن بعض الضحايا من المشاهير ، والمثير للدهشة أن  تلك الجهات راحت تتبارى  فى اصدار البيانات عن حجم الجريمة  ومخاطر  الادوية الوهمية والمغشوشة على صحة المواطنين ، وهنا تقفز الاسئلة من تلقاء نفسها ، لتضع الحكومة فى مرمى سهام الاتهامات المباشرة ، و التى نرى أنها اتهامات مشروعة ، هل كانت فى غيبوبة فعلاً ؟ ، أم أنها كانت تنتظر تكرار الكوارث ، وتصبح الفضائح على عينك يا تاجر ،  حتى تتحرك وتثبت انها موجودة ولديها أنياب .

ان القضية التى تشغل الرأي العام في مصر الآن ، تضاف الى مئات الوقائع الكارثية التى تحدث ، والتى لم تكن بعيدة عن عيون الحكومة والجهات المعنية بالرقابة ، وفى السياق ذاته ، لا يفوتنا   تذكير الحكومة  او تنشيط ذاكرتها ، ان كان بالفعل لديها ذاكرة ، و بالأخص وزارة الصحة و المجلس الاعلى للاعلام ، أننا كنا اول من كشفنا حقيقة تلك الظاهرة المخيفة ، واول من نبهنا وحذرنا مراراً و تكرارا من العبث بصحة المواطنين ، و فضحنا بالوثائق ، عمليات بيع الوهم لاستقطاب الضحايا عبر منتحلى الصفة،  باستغلال الاعلانات وتأجير المساحات الزمنية فى القنوات الفضائية ، ونشر الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعى ، لايهام الناس بالقدرة على العلاج فى مراكز بيع الوهم ، خاصة ما يتم الترويج له عن علاجات الغضروف ، واجراء عمليات اذالته من دون حراحة ، لكن لم يتحرك أحد ،  وعندما تحركت الجهات الادارية ، كان التحرك روتينى لتهدئة المتضررين وخشية اتساع نطاق الفضيحة  ، حيث يتم اغلاق المراكز بصورة مؤقتة ، ثم اعادة فتحها مرة اخرى ، كما فضحنا على مدار أسابيع متتالية  من خلال صحيفة صوت الملايين ، كل الاساليب التي يجرى استخدامها علناً لجنى الملايين من الضحايا ، على حساب صحتهم ، ورغم تعدد البلاغات من ضحايا كُثر ، الا ان الامور ما ذالت تسير فى طريقها بصورة عادية ، الاعلانات مستمرة ، واجراء العمليات الجراحية على ايدى غير المتخصصين ، تسير بوتيرة منتظمة  و كأن شيئاً لم يكن ، وفى بعض الأحيان، تتحرك الجهات الادارية لاتخاذ اجراءاتها بعد الضغوط الاعلامية عليها ، أو ان احد المتضررين من المشاهير ، مثلما حدث فى احد مراكز العلاج الطبيعى بمدينة نصر ، حينما تم كسر فقرات لفنانة ، ساعتها قامت الدنيا ولم تقعد ، بالضبط مثلما حدث من بلاغات ضد احمد ابو النصر ، حيث يتم تشميع المراكز الوهمية ، والتحفظ على ما بداخلها ، لكن سرعان ما تعود "رية لعادتها القديمة " اتدرون لماذا ؟ .. لأن هناك قاعدة تقول " من أمن العقاب ، اساء الأدب"، فلو ان هناك حكومة قوية قادرة على ردع المفسدين بالقانون ، ما استطاع أحد ان يتجرأ ، ويمارس النصب بهذه الصورة ، وتلك البجاحة .

جانب اخر يجب عدم اغفاله ، مرتبط بالحكومة ايضا ، ويتعلق بالرقابة على المواد الاعلامية والاعلانية ، لو كانت هناك رقابة حقيقية ، هل كان من الممكن ان تروج القنوات الفضائية لكل هذا العبث ؟


مقالات مشتركة