
لم أعثر فى قواميس اللغة على أي مفردات ، تصف بدقة ما
وصل إليه حال الحكومة .. هل هى فى غيبوبة
؟ .. أم أن البلادة "التبلد" صارت جزءاً من طباعها ولم تعد عابئة باى شئ
؟ .. فسواء كانت فى غيبوبة أو متبلدة، ففى
الحالتين ليس هناك سوى نتيجة واحدة، عنوانها الفشل ، الذ يعبر بجلاء عن حقيقة عجزها البين ، و فقدانها القدرة على التعاطى مع
مسؤولياتها بالتصدى للكوارث الهائلة ،
التى تداهمنا على مدار الساعة، ولا تحرك ساكناً، وكأن ما يجرى من فوضى صارخة أمام
سمعها و بصرها، لا يعنيها من قريب أو من بعيد ، أو أن المشاهد و الوقائع الصارخة تحدث فى بلد آخر
، غير البلد الذى تعيش فيه ، وتتولى مسؤولية حمايته من العبث، فهى فى جميع الأحوال لا تتحرك إلا بعد خراب مالطة ، تظل تصم اذانها شهور وسنوات ، لكى لا تسمع عمداّ صراخ
ضحايا بيع الوهم على ايدى فئة احترفت
النصب العلنى بتراخيص حكومية أو بعلمها ورعايتها من دون ترخيص .
قبل ايام قليلة وعلى استحياء، استيقظت الحكومة من
غفوتها ، او بتعبير أكثر دقة ، فاقت مؤقتاً من غيبوبة طويلة ، بعد واقعة القبض على الصيدلى أحمد أبو النصر ، بتهمة انتحال صفة طبيب يعالج المرضى ،
بالمناسبة هو يزعم قدرته على علاج جميع الامراض ، ولديه ادوية لكل الامراض ،
وقيامه بالترويج عبر القنوات الفضائية لتركيبات عشبية، يزعم أنها ادوية خارقة ،
تعالج عشرات الأمراض المزمنة والمستعصية بصورة مذهلة ، ولأن الحكومة تعيش فى واد آخر ، و تعيش معها السلطات الرقابية المتعددة فى
مختلف الوزارات والهيئات ، مثل الرقابة على الدواء و الرقابة الاعلامية، التابعة
للهيئة الوطنية للاعلام ، المنوط بها مراجعة سلامة ما تبثه وسائل الإعلام المختلفة
من مواد اعلامية واعلانية ، وهنا علينا ان
نتوقف لمعرفة المذيد من تفاصيل تلك الجريمة ، التى تورطت فيها القنوات الكبيرة
ذائعة الصيت ، وغيرها من المعروفة باسم قنوات بير السلم ، حيث يتم تخصيص برامج
لعمل الدعاية للاطباء ، وليست للتوعية الصحية ، انما لجنى الأموال التى يتم دفعها
على سبيل الدعاية والاعلان ، ورغم تعدد الوقائع التى يتم كشفها ، الا ان الوكنية
للاعلام تعيش فى غيبوبة ،و كذا جهاز حماية المستهلك المنوط به التحرك السريع
لمواجهة عمليات النصب والعلاج وبيع الادوية مجهولة المصدر فهو لا حس ولا خبر ، او
يبدو ان سطوة حماة المراكز اكبر من ان يواجهها
، كما لا يمكن اغفال دور وزارة الصحة فى تلك المهازل ،فهى تمنح التراخيص بدون ضابط أو رابط، لذا جرى ما جرى فى مصر فى الاونة الاخيرة .
احد باعة الوهم احمد ابو النصر ، يا سادة يا كرام ، لم
يمارس نشاطه والترويج لبضاعته فى يوم وليلة ، انما هو ذائع الصيت ، حيث تفرد له
ولغيره القنوات الفضائية مساحات زمنية كبيرة بمقابل معلوم ، لاستعراض مهاراتهم فى
وصف العلاجات وبيعها كادوية للمرضى بمبالغ طائلة ، ابو النصر يفعل هذا من دون ان
يقدم نفسه على حقيقتها ، حتى يعلم الناس تخصصه فتاهت المعلومات المرتبطة به لدى
الحالمين بالشفاء السريع من الامراض المزمنة ، فتوافد عليه الآلاف من المواطنين ،
للحصول من مراكزه المنتشرة على الدواء ،
وفى ظل حالة الفوضى وقع عشرات الآلاف فى الشرك المنصوب
لهم باحترافية فائقة ، وعندما كثرت اعداد ضحايا الدواء المزعوم "الكوركمين"
، وتعددت البلاغات الرسمية بشانها ، بعدها تحركت الجهات المسؤولة، وكأنها لم تعرف
من قبل ، فقط عرفت بقصة انتحال الصفة والدواء الوهمى ، لأن بعض الضحايا من
المشاهير ، والمثير للدهشة أن تلك الجهات
راحت تتبارى فى اصدار البيانات عن حجم
الجريمة ومخاطر الادوية الوهمية والمغشوشة على صحة المواطنين ،
وهنا تقفز الاسئلة من تلقاء نفسها ، لتضع الحكومة فى مرمى سهام الاتهامات المباشرة
، و التى نرى أنها اتهامات مشروعة ، هل كانت فى غيبوبة فعلاً ؟ ، أم أنها كانت
تنتظر تكرار الكوارث ، وتصبح الفضائح على عينك يا تاجر ، حتى تتحرك وتثبت انها موجودة ولديها أنياب .
ان القضية التى تشغل الرأي العام في مصر الآن ، تضاف الى
مئات الوقائع الكارثية التى تحدث ، والتى لم تكن بعيدة عن عيون الحكومة والجهات
المعنية بالرقابة ، وفى السياق ذاته ، لا يفوتنا
تذكير الحكومة او تنشيط ذاكرتها ،
ان كان بالفعل لديها ذاكرة ، و بالأخص وزارة الصحة و المجلس الاعلى للاعلام ، أننا
كنا اول من كشفنا حقيقة تلك الظاهرة المخيفة ، واول من نبهنا وحذرنا مراراً و
تكرارا من العبث بصحة المواطنين ، و فضحنا بالوثائق ، عمليات بيع الوهم لاستقطاب
الضحايا عبر منتحلى الصفة، باستغلال
الاعلانات وتأجير المساحات الزمنية فى القنوات الفضائية ، ونشر الفيديوهات على مواقع
التواصل الاجتماعى ، لايهام الناس بالقدرة على العلاج فى مراكز بيع الوهم ، خاصة
ما يتم الترويج له عن علاجات الغضروف ، واجراء عمليات اذالته من دون حراحة ، لكن
لم يتحرك أحد ، وعندما تحركت الجهات
الادارية ، كان التحرك روتينى لتهدئة المتضررين وخشية اتساع نطاق الفضيحة ، حيث يتم اغلاق المراكز بصورة مؤقتة ، ثم
اعادة فتحها مرة اخرى ، كما فضحنا على مدار أسابيع متتالية من خلال صحيفة صوت الملايين ، كل الاساليب التي
يجرى استخدامها علناً لجنى الملايين من الضحايا ، على حساب صحتهم ، ورغم تعدد
البلاغات من ضحايا كُثر ، الا ان الامور ما ذالت تسير فى طريقها بصورة عادية ،
الاعلانات مستمرة ، واجراء العمليات الجراحية على ايدى غير المتخصصين ، تسير
بوتيرة منتظمة و كأن شيئاً لم يكن ، وفى
بعض الأحيان، تتحرك الجهات الادارية لاتخاذ اجراءاتها بعد الضغوط الاعلامية عليها
، أو ان احد المتضررين من المشاهير ، مثلما حدث فى احد مراكز العلاج الطبيعى
بمدينة نصر ، حينما تم كسر فقرات لفنانة ، ساعتها قامت الدنيا ولم تقعد ، بالضبط
مثلما حدث من بلاغات ضد احمد ابو النصر ، حيث يتم تشميع المراكز الوهمية ، والتحفظ
على ما بداخلها ، لكن سرعان ما تعود "رية لعادتها القديمة " اتدرون
لماذا ؟ .. لأن هناك قاعدة تقول " من أمن العقاب ، اساء الأدب"، فلو ان
هناك حكومة قوية قادرة على ردع المفسدين بالقانون ، ما استطاع أحد ان يتجرأ ،
ويمارس النصب بهذه الصورة ، وتلك البجاحة .
جانب اخر يجب عدم اغفاله ، مرتبط بالحكومة ايضا ،
ويتعلق بالرقابة على المواد الاعلامية والاعلانية ، لو كانت هناك رقابة حقيقية ،
هل كان من الممكن ان تروج القنوات الفضائية لكل هذا العبث ؟