ضرورة تشكيل تحالف عربى لملء الفراغ الأمنى وتحمل أعباء ومخاطر اللحظة الراهنة لإنقاذ النظام العربى من التفكك زعزعة استقرار المنطقة يصب فى صالح القوى الإقليمية الطامحة فى التوسع الإمبراطورى التطورات الحادثة فى سوريا تحفز على إعادة صياغة شروط العلاقة مع واشنطن تركيا تسعى للاستفادة من المتغيرات فى السياسة الدولية لتوسيع دوائر نفوذها الإقليمى النظام الحاكم فى قطر لا يستطيع فك الارتباط العضوى بالإرهاب ويهرب إلى الأمام بالتحالف مع أردوغان
لم يعد بمقدور أحد، مهما كانت درايته بالشأن العربى، تحديد ملامح الواقع المرتبك، باتساع الخريطة الجغرافية من سوريا إلى لبنان والعراق، مرورا باليمن، ومن ليبيا إلى تونس والجزائر ثم السودان، حيث تبعثرت أوراق المنطقة بين قوى دولية، تسعى لفرض هيمنتها، عبر تفتيت المنطقة بوسائل متنوعة، أو قوى إقليمية طامحة فى التمدد الإمبراطورى مثل إيران التى تمكنت، فى ظل التمزق العربى من تطويق بلدان الخليج العربى بأذرعها الموالية لها، أو حالمة بالخلافة مثل تركيا، التى بدأت فعليًا تعزيز تواجدها العسكرى لتطويق المنطقة بأكملها من الشمال الشرقى حيث سوريا والعراق، مرورا بتدخلها فى الشمال الأفريقى حيث تونس وليبيا، كما تسعى لترسيخ تواجدها بالتأثير على الأرض، عبر دعمها خلايا تنظيم الإخوان فى البلدان العربية، لإحياء مشروعها الوهمى الذى يمثل أجندة إخوانية بالأساس. قبل أيام، دخلت تركيا بقواتها العسكرية، الأراضى السورية، لشن هجوم على الأكراد حلفاء الأمريكان فى سوريا، بزعم إيجاد منطقة آمنة، والحد من عمليات داعش الإرهابية، التى تهدد تركيا العضو فى حلف الناتو، الأكراد فى الشمال السورى يسيطرون على المشهد ويحتجزون نحو 12 ألفا من مقاتلى تنظيم داعش الإرهابى فى سجون يسيطرون عليها.. من هذه النقطة تبدو الصورة معقدة إلى حد ما، لكن القراءة المتأنية، ستكشف لنا حزمة من الأمور التى تشى بالحقائق.. الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، يعطى أوامره بجلاء القوات الأمريكية بعيدا عن المناطق المستهدفة من تركيا، كما أنه بارك العملية العسكرية، مشيرا إلى حق أنقرة وأردوغان فى محاربة التهديدات القادمة من داعش، فى أعقاب ذلك صدرت احتجاجات من وزارة الدفاع الأمريكية «بنتاجون» على قرارات ترامب، ثم تراجع ترامب، وأمر بعودة قواته مرة أخرى، ثم تلا ذلك مباشرة تهديدات بتوقيع عقوبات اقتصادية على تركيا إذا لم توقف العمليات العسكرية مؤقتا، ولأن المسرحية الهزلية التى تدور على الأراضى السورية متنوعة المشاهد، أصر أردوغان على الاستمرار فى العملية العسكرية، ثم اشتدت تهديدات ترامب الذى وافق فى البداية، الأمر الذى أدى لانصياع الرئيس التركى وأوقف العملية العسكرية مؤقتا. الأكراد من جانبهم انضموا إلى الجيش الوطنى السورى، وأعلنوا القتال تحت لوائه، الأمر الذى أربك حسابات أنقرة وترامب، فحث على وقف القتال، بعد أن أدرك أكراد سوريا جوهر اللعبة. المعلومات المتناثرة هنا وهناك عبر وسائل الإعلام العالمية، تشير إلى هروب نحو 600 إرهابى من السجون، منهم 5 قيادات مهمة كانت تحت أسر الأكراد.. هؤلاء أين ذهبوا؟ ولماذا استجاب أردوغان لطلب البيت الأبيض بعد هروب الدواعش؟ ثمة أسئلة أخرى تحتاج إلى إجابات، كى نضع النقط على الحروف، لكن أغلب الظن أن العملية نجحت، ونجاحها كان فى تهريب الدواعش لإرسالهم إلى مناطق أخرى من البلدان المستهدفة، مثل مصر أو ليبيا لتهديد مصر أيضا، خاصة إذا علمنا أن تركيا أقامت معسكرات لتدريب الدواعش على أراضيها. منذ عدة سنوات لم تدخر تركيا وقتا للاستفادة من المتغيرات فى السياسة الدولية، فى محاولة لتوسيع دوائر نفوذها الإقليمى، لذا فإنها استطاعت بصورة براجماتية أن تقفز على توتر علاقتها بالحليف التقليدى، الولايات المتحدة الأمريكية، لأنها داعمة بصورة علنية للأكراد فى الشمال السورى، الذين تعتبرهم أنقرة جماعات انفصالية مارقة، تهدد وحدة الدولة التركية بانفصال الأكراد، فعملت على مد جسور التفاهم مع موسكو وطهران، بعد أن كانت على وشك مواجهة غير متكافئة مع روسيا، الداعمة لنظام بشار الأسد، وهى كانت داعمة للتنظيمات الإرهابية التى حملت السلاح فى وجه الدولة السورية لإسقاط نظام الحكم. هذه الحالة المعقدة من المصالح، أوجدت قواسم مشتركة بين أنقرة وطهران، رغم تعارض استراتيجيتهما فيما يتعلق بالأزمة السورية، وما يتعلق بتوسيع دوائر النفوذ، وبعدما أن كانت إيران تبرر تواجدها العسكرى بسوريا، لمكافحة الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا جرى التفاهم فى مساحة الأزمة الحالية، بما يعنى أن صراع النفوذ على المنطقة العربية سيظل قائما لتعارض مشروعيهما. ترتيب الأوراق واستثمار الأزمات العربية، خاصة الأزمة القطرية مع مصر والسعودية والإمارات والبحرين، جعل أنقرة تفكر جليا بوضع المنطقة العربية بين فكى كمّاشة، حيث استطاعت تطويقها، بما يضمن توسيع دوائر نفوذها الاستراتيجى، من الخليج العربى شرقا، إلى البحر الأحمر والشمال الأفريقى غربا، حيث أقامت قاعدة عسكرية فى قطر، حاولت تعزيزها بقوات إضافية بعد الاتفاق مع النظام السابق فى الخرطوم على إدارة جزيرة سواكن فى الساحل الغربى للبحر الأحمر، على بعد أميال قليلة من حدود مصر الجنوبية، والتى كانت مقرا للحاكم ومركزا لسلاح البحرية قبل انهيار الإمبراطورية العثمانية، إضافة إلى أكبر قاعدة عسكرية لها فى الصومال، مرورًا بالانتشار غير المسبوق للجيش التركى فى خمس دول عربية العراق وسوريا وقطر والسودان وليبيا التى يتواجد بها سلاح الجو التركى. أما إيران فإنها تمثل جملة من التحديات التى تواجه النظام العربى، منها الجزر الإماراتية الثلاث طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وأبى موسى، وهى الجزر التى تحتلها الدولة الفارسية، كما أنها تتواجد فى المنطقة بقوات وميليشيات وطنية موالية لها، مثل حزب الله فى لبنان والحشد الشعبى فى العراق وجماعة الحوثى فى اليمن، إلى جانب قوات إيرانية يطلق عليها فيلق القدس التابع للحرس الثورى الإيرانى فى سوريا، وجميعها أدوات تهدد فعليا استقرار المشرق العربى وبلدان الخليج، ويضمن لها حضوراً طاغيا ومؤثرا فى معادلة الصراع الإقليمى، ربما تتراجع وتيرته نسبياً بسبب تدنى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية داخل الدولة، جراء إهدار الثروات فى مغامرات خارج الحدود. فى هذا السياق المرتبك، وفى ظل تعقيدات المشهد، لا يمكن استثناء قطر من معادلة الصراع الإقليمى وتنفيذ الأجندة الغربية فى نفس الوقت، عبر التدخل العسكرى المباشر فى ليبيا لتدميرها وتحويلها إلى دولة فاشلة، سواء فى تمويل عملية إسقاط القذافى أو بعد سقوطه، ما يجعل الأراضى الليبية مركزا لتهديد حدود مصر الغربية، فضلا عن تمويل التنظيمات الإرهابية لنشر الفوضى فى مصر. انكشاف الدور القطرى فى زعزعة استقرار المنطقة، أدى لأن تكون دويلة منبوذة فى محيطها العربى، لأن نظامها الحاكم وضع الإخوان وأجندتهم التنظيمية فى كفة، ومصالح الدولة الاستراتيجية مع أربع دول عربية محورية مصر والإمارات العربية والسعودية والبحرين فى كفة أخرى، بما يؤكد أن النظام الحاكم فى قطر، ليس بمقدوره فك الارتباط العضوى بالجماعة، وهو ما يدفعه للاستمرار بالهروب إلى الأمام، والتحالف مع أنقرة الداعمة لأجندة الإخوان بغرض تهديد مصر ومنطقة الخليج بأسرها، فى إطار مطامح وهمية بالتوسع على حساب جيرانه وفق خرائط التقسيم. جانب آخر لا يمكن إغفاله، وهو أن الأزمات العربية تصب فى صالح القوى الإقليمية والدولة العبرية، باعتبارها كيان وظيفى، يؤدى دورا أمنيا بامتياز لصالح الغرب، فإيران تتمدد داخل بلدان المنطقة عبر أذرعها، وتركيا زعزعة استقرار المنطقة عبر خلايا تنظيم الإخوان، لذا فإن الحاجة أصبحت ملحة، لتشكيل تحالف عربى، لملء الفراغ الأمنى وتحمل أعباء ومخاطر اللحظة الراهنة، لإنقاذ النظام العربى من التفكك. التطورات الحادثة فى المنطقة العربية تحفز على مراجعة كاملة لملف العلاقات العربية الأمريكية بكل تعقيداتها، فقد أصبحت هناك ضرورة لإعادة صياغة شروط العلاقة مع واشنطن، لتحديدها بصورة واضحة، سواء فى صورة حليف أو شريك نزيه، رغم أنه لم يكن نزيها بالمرة، بحسب الحقائق والممارسات طيلة العقود الماضية فقد بات الخروج من أسر المألوف الذى اعتدنا عليه، أمرا حتميا، لإنقاذ الشعوب العربية من الهزائم السياسية والنفسية جراء العلاقة مع الأمريكان. أما الجوانب المتعلقة بالحضور الإيرانى فى العراق وسوريا ولبنان واليمن ومناطق أخرى فى شبه الجزيرة العربية، فهذا وحده كاف للإغراء بلعب دور سياسى لتوسيع دوائر نفوذها الإقليمى، إلى جانب عوامل أخرى تأهيلية، منها الأزمات الإقليمية التى صنعتها قطر الدولة المارقة عن الصف العربى، والتى تعمل بكامل طاقتها المالية لزعزعة الاستقرار فى المنطقة، كى يكون لها دور بارز فى السياسة الإقليمية والدولية، كل ذلك ساهم بصورة أو بأخرى فى تنامى جرأة إيران، لتصبح طرفًا فاعلا فى الصراعات الدائرة الآن فى «سوريا والعراق ولبنان واليمن». كما أنها تسعى للاستفادة من مخططات القوى الدولیة تجاه المنطقة لإعادة تشكیل الخریطة الجغرافية من خلال تقسیم شعوبها إلى طوائف وفرق وتفتیت خرائطها الجغرافية وفق مشاريع استراتيجية، جرى إعدادها فى المراكز البحثية، وغرف الوكالات الاستخبارية، وهذه المشاريع الغربية الصهيونية، وإن كانت تحقق المصالح الغربية، إلا أنها تتوافق بالأساس مع استراتيجية التمدد الفارسى المغلف بشعارات مذهبية. ففى أعقاب انهيار النظام العراقى، عام ٢٠٠٣، ترسخت مشاهد المخططات الأمريكية على الأرض باندلاع شرارة الفوضى فى المنطقة، تحت لافتة ثورات الربیع العربى، وهى التى بدأت شرارتها فى تونس - مصر - اليمن - سوريا ليبيا، هذین المتغیرین، انهيار العراق ومشاهد الفوضى بالمنطقة، خاصة البلدان التى تشكل البعد الحضارى والتاريخى، شكّلا نقطة انطلاق أساسية لطموحات وأهداف القوى الدولية الصانعة للأحداث والقوى الإقلیمیة، المستفيدة منها، ما أدى إلى دخول المنطقة بأسرها فى دوّامات الصراعات والحروب، ما أتاح لفرصة التدخل من كل القوى، بحجة القضاء على الإرهاب ونشر الأمن والسلم وتحقیق الحریة والعدالة والدیمقراطیة وحقوق الإنسان فى دول المنطقة، لكن كانت النتائج تدمیرا احترافيا وممنهجا لكل مقومات الدول لتجریدها بشكل تدریجى من قواها السیاسیة والاقتصادیة، بعد أن فرضت القوى الدولیة أجندتها وخلقت الصراعات الطائفیة والعرقیة وزرعت التنظیمات الإرهابیة. علينا جميعا، عدم إغفال جملة من الحقائق، ستظل تلقى بسحبها وقتامتها على واقعنا العربى لسنوات طويلة أو ربما عقود ممتدة، منها أن انهیار النظام العراقى، وتسريح جيشه الوطنى، أدى إلى فراغ استراتيجى وأمنى، هذا الفراغ جرى استثماره دوليا وإقليميا، فكان من تداعياته تنامى ظاهرة التنظیمات الإرهابیة، التى خرجت من رحم الجماعة الأم «الإخوان» مثل القاعدة وطالبان وداعش.. إلى بقية التنظيمات التى صنعت فى واشنطن، وبتواطؤ عربى بغيض، تبلور فى توفير الملاذات الآمنة، والدعم السياسى والمالى، إلى جانب تشجيع بعض العناصر الإرهابية على تنفيذ عمليات، تهدف إرباك بعض البلدان، فضلا عن دعم تيارات المعارضة بعدد من البلدان العربية وفق منطلقات طائفیة وعرقیة ومذهبية لتسخیرها والاستفادة منها، إلى جانب ضغوط تتعلق بالإشكاليات السياسية والأخلاقية، مثل المطالبة من قبل القوى الدولیة، بتنفیذ إصلاحات سیاسیة واقتصادیة فى النظم السیاسية وتحقیق مبادئ الدیمقراطیة والعدالة والمساواة والحریة وحقوق الإنسان، وغير ذلك من الأوراق الضاغطة، التى صارت شماعة أساسية يتم التغنى بها من قبل المأجورين والمنظمات المشبوهة، فكانت المحصلة، انتشار حالة الفوضى والصراعات والحروب بالوكالة وتدخل مباشر، خاصة فى الحالة السوریة والعراقیة والیمنیة، فضلا عن أن حقائق أخرى لا يمكن تجاهلها، منها الدور الذى تلعبه فى الخفاء، أنظمة إقلیمیة هشة، مثل قطر، باتباع سیاسة المغامرة واستغلال الأزمات والتطورات الحادثة فى المنطقة لصالح أهدافها الخفية، ومصالحها المعلنة، لذا فإن سياساتها تصب فى إضعاف الدولة المصرية باعتبارها الدولة الرئيسية فى المنطقة مصر. بدا جليا أن إطالة أمد الأزمات، واستمرار حالة اللجوء صوب البيت الأبيض يصب فى صالح القوى الإقليمية، الطامحة فى التوسع الإمبراطورى، القائم ظاهريا على التنافس المذهبى بين إيران وتركيا، فى المشرق، إضافة إلى الدولة العبرية، باعتبارها كيانا وظيفيا، يؤدى دورا أمنيا مؤداة حماية مصالح الغرب التى تنظر للمنطقة العربية، بأنها مناطق نفوذ تاريخية تحقق من خلالها مكاسب اقتصادية، وبين إيران والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية فى منطقة الخليج العربى، فالأزمات التى تصنعها الإدارات الأمريكية المتعاقبة، تعمل على تفریغ القوى الرئيسية فى المنطقة، من نفوذها السیاسی وتدمیر اقتصادها وإنهاك قوتها العسكریة، واستنزاف لكل الموارد والطاقات من خلال الحروب، بما يجعلها فى النهاية دويلات ضعیفة، هشة، تابعة للقوى الدولیة، التى فرضت أجندتها من ناحية، وتحققت لها الهيمنة والنفوذ من ناحية أخرى.