
غالباً ما يشكو ركاب الطائرات على الخطوط الجوية المصرية من مشاكل تتعلق بتدنى جودة الخدمة، أدت إلى تفضيل غالبية المسافرين خاصةً من الطبقات الثرية ركوب التعامل مع الخطوط الخليجية، بل ووصل الأمر إلى شكاوى من نوعية عدم وجود حمامات نظيفة ولائقة لقضاء الحاجة في المطارات وعدم توفير ورق تواليت داخل الحمامات الموجودة بحسب شكاوى المرشدين السياحيين، مما يؤثر على إيرادات قطاع السياحة.
وعلى ذكر الإيرادات دائماً ما يعانى قطاع الطيران المدني المصري من خسائر متتالية حتى أصبح أكبر إنجاز يتحدث عنه أى وزير طيران هو قدرته على تقليل الخسائر، وفي مقابل ذلك تتصاعد المطالبات بخصخصة هذا القطاع مثلما يحدث مع باقي الكيانات والشركات التي تكبد الدولة خسائر ضخمة، بعد أن ثبت بالأدلة القاطعة والكثيرة والمتكررة أن الدولة مدير فاشل وأن غالبية القطاعات المملوكة لها والتى تديرها لا تحقق الإ الخسائر ولا تمثل إلا حالات لإهدار المال العام.
ولأن مصطلح "الخصخصة" بات سئ السمعة لارتباطه بأواخر عهد الرئيس الأسبق الراحل حسني مبارك، تعلن الحكومة الحالية عن برنامجها متضمناً ركائز أساسية أربعة أحدها هو العمل على بناء اقتصاد تنافسى جاذب للاستثمارات، أما عن آليات تمويل البرنامج الذي يتضمن تعزيز الاستثمارات الخاصة المصرية والأجنبية فيأتى في مقدمتها توسيع وزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي للدولة وتعظيم الاستفادة من الأصول المملوكة لها، وفي مقدمتها الموانئ الجوية ( المطارات).
وفي إطار سعى نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي لجذب الاستثمارات وتشجيعها اهتم منذ توليه منصبه بإقامة بنية تحتية متطورة يحتاجها المستثمرين خاصةً الأجانب والمصدرين، ومن ثم شاهدنا الطرق والكبارى والمحاور المتطورة ناهيك عن تطوير الموانئ والمطارات وإنشاء مطارات جديدة، حيث أصبحت الدولة تمتلك ٢٣ مطار منها ٤ مطارات أنشأت خلال السنوات التسعة الأخيرة، هى مطار سفنكس والعاصمة الإدارية الجديدة وبرنيس والبردويل.
ومن أجل المزيد من التطوير تستهدف الدولة زيادة القدرة الاستيعابية للمطارات المصرية لتصل إلى ٧٢.٢ مليون راكب على أساس سنوي، بحلول عام ٢٠٢٧، علما بأن تلك الطاقة بلغت في نهاية العام المالى المنتهى ٦٦.٢ مليون راكب فقط، ولا يتوقف طموح الحكومة عند هذا الحد بل تستهدف الوصول إلى طاقة استيعاب تبلغ ١٠٩.٢ ملايين راكب بنهاية ٢٠٣٠ أى باكتمال برنامج التنمية المستدامة.
ومن أجل تحقيق هذا الهدف يؤكد الخبراء أنه يتعين إقامة مبنى ركاب جديد بمطار القاهرة الدولي بطاقة استيعابية ٣٠ مليون راكب سنوياً، بالإضافة إلى إنشاء مبنى آخر بمطار الغردقة طاقته الاستيعابية ٧ ملايين راكب سنوياً.
أبرزها مطارات هيثرو وشارل ديغول واسطنبول وسيدنى ومطارات دبى بالإمارات
أحدها حقق إيرادات بلغت 3.7 مليارات جنيه استرلينى والآخر حقق 5.5 مليار يورو خلال العام الماضى
حتى لا تتهم حكومة الدكتور مصطفى مدبولى بأنها تنفذ أجندة البنك الدولى وتتجه نحو بيع أصول الدولة التى تمس الأمن القومى والاقتصادى، إهتم الخبراء والباحثون بدراسة أبعاد الفكرة وما لها من ايجابيات فى ضوء التجارب الناجحة حول العالم، وفى هذا السياق صدرت مؤخراً دراسة بعنوان
" تعظيم الأصول: توجه مصر نحو إشراك القطاع الخاص فى إدارة المطارات" أعدتها دعاء عبدالمنعم الباحثة بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، أكدت خلالها أن برنامج الحكومة ينص على أن تتم حاليًا دراسة أفضل الممارسات فى إطار التوجه نحو إسناد إدارة وتشغيل المطارات المصرية لشركات أجنبية بهدف زيادة عوائد المطارات وتحسين تجربة السفر من خلالها.
واستعرضت الدراسة بعض التجارب الناجحة فى هذا الصدد وأبرزها مطار هيثرو في لندن (LHR) بالمملكة المتحدة، والذى تقوم بتشغيله شركة هيثرو للمطارات القابضة، ووصفت الدراسة مطار العاصمة البريطانية بأنه من أكثر المطارات ازدحامًا في العالم، وتُديره شركة خاصة تتولى إدارة عملياته وتطويره وصيانته، وهى شركة مطار هيثرو القابضة والتي تم انشاؤها بعد عقد شراكة مع القطاع الخاص لإدارة وتشغيل المطار في إطار خصخصة الأصول المملوكة للدولة في المملكة المتحدة عام 2006، وثبت نجاح التجربة حيث حقق مطار هيثرو إيرادات بحوالي 3.7 مليارات جنيه إسترليني في عام 2023 وهو الأعلى في تاريخ الشركة.
وانتقلت الدراسة من انجلترا إلى فرنسا حيث مطار شارل ديغول في باريس (CDG)، والذى تديره مجموعة ADP (مطار باريس) كما تتولى نفس الشركة إدارة عدد من المطارات الفرنسية الأخرى تحت مسمى “مطار باريس” منذ العام 2016، تشمل 26 مطارًا دوليًا على مستوى العالم بحصص من الملكية في بعضها.
وأوضحت الباحثة أنه بالرغم من أن مجموعة ADP هي شركة مدرجة في البورصة، فإنها تدير مطار شارل ديغول تحت نموذج يشمل مشاركة كبيرة من القطاع الخاص، وقد حقق المطار حوالي 5.5 مليارات يورو عوائد خلال 2023 بعائد تشغيل 1.2 مليار يورو محققًا نموًا يفوق 32٪ مقارنة بمستويات 2022.
وفى منطقة الشرق الأوسط هناك مطار اسطنبول الدولى، والذى تديره شركة كونسورتيوم IGA (مطار إسطنبول الكبير) وهى شركة تأسست عام 2013، وتتولى تشغيل وصيانة المطار منذ 25 عامًا، علمًا بأن هذا المطار يُدار بواسطة تحالف من الشركات التركية الخاصة، بما في ذلك Cengiz Holding وMapa وLimak وKolin، وقد حقق مطار إسطنبول مليار يورو كأرباح خلال 2023.
وفى السياق ذاته تدير شركة مطار سيدني المحدودة المطار الرئيسى فى استراليا، وهي شركة خاصة من مجموعة من المستثمرين بنسب شراكة، تعمل على الأدارة والتشغيل بشكل خاص، مع التركيز على الكفاءة والتوسع.
ومن العام الغربى إلى الوطن العربى، من المعروف أن مطار دبى الدولى يعد من أنجح وأقوى المطارات، وتديره شركة مطار دبي الدولي (DXB) بدولة الإمارات العربية المتحدة، وعلى الرغم من أن المطار مملوك للحكومة، فإن شركة مطارات دبي تدير المطار مع تركيز قوي على ممارسات الإدارة من القطاع الخاص، كما تدير أيضًا مطار آل مكتوم الدولي (DWC)، بمبادئ الإدارة من القطاع الخاص، حيث تهدف الشركة إلى تطبيق ممارسات الإدارة الفاعلة في القطاع الخاص لتحسين الآداء والخدمات.
المطارات المصرية تصدرت قائمة أفضل 10 مطارات افريقية
- الحكومة اتخذت خطوات ناجحة وحققت إنجازات لجذب الاستثمارت
- ضخ 28 مليار جنيه خلال الفترة من 2014 لـ2020
وإذا كان العالم المتقدم والدول الثرية تتجه بقوة نحو الاستثمار فى القارة الأفريقية، فمن المتوقع أن تنال مصر نصيبًا ضخما من هذه الاستثمارات، وفى قطاع الطيران تحديدًا إتخذت الدولة خطوات جادة لتطوير المطارات لتصبح جاذبة للاستثمار الخاص وللشركات الأجنية، حيث شهد هذا القطاع ضخ استثمارات بأكثر من 28 مليار جنيه خلال الفترة من 2014 وحتى 2020، وفقًا لبيانات وزارة الطيران المدني.
وأكدت الورقة البحثية أن المطارات المصرية حققت إنجازًا كبيرًا على مستوى القارة الأفريقية في حركة الركاب والشحن الجوي حيث تصدرت قائمة أفضل عشرة مطارات على مستوى القارة الأفريقية في تصنيف المجلس الدولي للمطارات من حيث حجم حركة الركاب فى عام 2021 كما حل مطار القاهرة في المركز الثاني من حيث حركة شحن البضائع، فيما جاء ترتيب مطار الغردقة الخامس ومطار شرم الشيخ الثامن ضمن المطارات الأفريقية العشرة الأولى من حيث عدد الركاب، وحقق مطار القاهرة المركز الأول أفريقيًا بعدد ركاب بلغ 11 مليونًا و346 ألف راكب متفوقًا على مطارات جنوب أفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا والمغرب وكينيا.
وفى السياق ذاته شهد عام 2022 تشغيل مطاري سفنكس ومبنى الركاب (2) بشرم الشيخ وأعمال تطوير مختلف المطارات في ضوء تحقيق أهداف التنمية لشاملة ورؤية الدولة المصرية 2030.
وتوقعت الباحثة أن هذه المؤشرات الواعدة سوف يتم استثمارها في تدعيم توجه الدولة لإسناد إدارة وتشغيل المطارات المصرية لشركاء من القطاع الخاص، خاصةً وأن الحكومة الآن في مرحلة اختيار المكتب الاستشاري العالمي الذي سيقوم بدراسة أوضاع المطارات المصرية ومؤشراتها الاقتصادية لتحديد المطارات التي سيتم إسنادها للقطاع الخاص لاحقًا، حيث كان المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري قد صرح بأن إشراك القطاع الخاص في الإدارة والتشغيل يسهم في تحسين الخدمات وزيادة الإيرادات المحصلة وتطوير المطارات بما يعظم من أصول الدولة، مشددًا على أنه سيعمل وفق الضوابط المحددة من قبل الحكومة في هذا الشأن، وأن الشراكة مع القطاع الخاص تأتي في إطار وثيقة سياسة ملكية الدولة التي أعلنتها الحكومة المصرية لزيادة دور القطاع الخاص في إدارة أصول الدولة وزيادة استثمارات القطاع إلى نسبة 65% من إجمالي الاستثمارات.
وعلى خلفية ذلك يعد هذا التصريح من قبل الحكومة مطمئنًا لمن يتخوفون من بيع الأصول، ويزعمون أنها ستكون معرضة للضياع حال البيع أو التأجير بطريقة "حق الانتفاع" بدون ضوابط، لأن الفرق واضح بين البيع أو التأجير وبين المشاركة فى الإدارة والتشغيل.
آليات العمل تشمل التعاون مع الشركات الخاصة والشراكات الاستراتيجية مع الكيانات العالمية
تشمل فكرة الشراكة مع القطاع الخاص عدة نماذج فى مقدمتها التعاون مع الشركات الخاصة، وعلى سبيل المثال تتعاون شركة مطارات دبي مع شركات خاصة في مشاريع تطوير البنية التحتية والخدمات، مثل تحسين مرافق المطار وتوسيعها، وهناك صورة أخرى هى الاستثمار الخاص، حيث يتم جذب الاستثمارات الخاصة للمساهمة في تطوير المرافق والخدمات داخل المطار، مما يعزز القدرة التنافسية للمطار ويوفر تجربة أفضل للركاب، وصولًا إلى الشراكات الاستراتيجية مع الشركات العالمية في مجالات مثل الأمن، والخدمات اللوجستية، وإدارة المرافق، وتطوير المشاريع.
وبشكل عام يرى الخبراء الاقتصاديون أن الشراكات بين القطاعين العام والخاص تؤدى إلى تمكين الحكومات من شراء وتقديم خدمات البنية التحتية والخدمات العامة، وكذلك الاستفادة من موارد وخبرات القطاع الخاص، من خلال ترتيبات تقاسم المخاطر، ولكن بشرط أن تكون هذه الشراكات قد صُـمّمت ونُـفذت على نحو سليم، حتى يمكنها أن تحقق قيمة اجتماعية، من خلال تقديم الخدمات في الموعد المناسب، وبتكلفة معقولة، فضلا عن المكاسب المحققة من تحسين الكفاءة والابتكار في تصميم المشاريع، وإدماج الخبرات العالمية، والوصول إلى مصادر جديدة لرأس المال. وعلى الجانب الآخر، يرى المتخصصون فى الاقتصاد الدولى أن ضعف تصميم وتنفيذ الشراكات بين القطاعين العام والخاص أو بين الجهات المحلية والعالمية يؤدي إلى عدم تحقيق النتائج المرجوة.
وليست التجربة المصرية بسباقة أو متفردة فى هذا الصدد ولكن من المعروف أن غالبية الدول قد تبنت على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم، خلال العقود الماضية، إقرار قوانين مخصصة للشراكة بين القطاعين، وأسست وحدات للشراكات بين القطاعين (مع تنوع في المسؤوليات، والاختصاصات والموقع في الهيكل التنظيمي للجهاز الحكومي)، ويتمثل الهدف من ذلك في ضرورة الإبقاء على الالتزام الحكومي وتأمين الموارد مع الوقت، بالإضافة إلى الفحص الدقيق والاتساق في الإجراءات لتدعيم التعلم المنهجي وإدارة العقود على نحو يتسم بالكفاءة، وأيضًا بناء القدرات اللازمة للتعامل مع العمليات المعقدة، وصولًا إلى تشجيع الاستمرار في العمل(ويشمل ذلك تعبئة التمويل لإعداد المشروعات)، لأن الهدف الأول من إشراك القطاع الخاص غالبًا ما يتمثل فى تعظيم موارد التمويل.
وعلى الصعيد العملى فإن الإطار القانوني والمؤسسي السليم للشراكة بين القطاعين العام والخاص، ليس سوى أحد العوامل الكثيرة والمعقدة التي تساعد في تحقيق نجاح برامج هذه الشراكات، ومن ثم يتعين على الدولة المصرية ألا تكتفى بوضع قوانين صارمة لضبط عمليات الشراكة والتعاقدات القائمة عليها، ولكن يجب أن تكون قابلة للتنفيذ والتطبيق على أرض الواقع ومتسقة مع التجارب الناجحة حول العالم، مع مراعاة البعد الاجتماعى وخصوصية الواقع المصرى.