تتباين توقعات الخبراء والمحللين الاقتصاديين في مصر بشأن المسار المتوقع لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار خلال العام المقبل، رغم التحسن الملحوظ في مصادر التدفقات الدولارية الرئيسية التي تدعم الاقتصاد المصري.
وأكد المحللون أن حركة الدولار تُحدد وفقاً لمعادلة العرض والطلب التي تتغير على مدار العام، مرجحين 3 سيناريوهات محتملة لسعر الصرف في 2026، تتراوح بين الاستقرار النسبي، أو التعرض لاضطرابات داخلية، أو ضغوط خارجية قد تعيد التوازن النقدي إلى دائرة التحديات.
شهد الدولار خلال العام الجاري تراجعاً ملحوظاً أمام الجنيه المصري، بعدما تجاوزت قيمته حاجز 51 جنيهاً في يونيو الماضي، قبل أن يدخل في موجة هبوط متقطعة على مدار خمسة أشهر ماضية، لينخفض في نوفمبر إلى ما دون 47 جنيهاً خلال أيام فقط، ليستقر حاليا بين معدلات 47.20 جنيه و47.80 جنيه للبيع.
قال خبير أسواق المال هيثم فهمي إن تحركات سعر صرف الدولار مقابل الجنيه خلال العام المقبل لها 3 سيناريوهات، الأرجح بينها هو الاستقرار النسبي عند مستوى 47 جنيهاً، بينما يقود السيناريو المتشائم إلى مستوى 49 جنيهاً، ويرجح السيناريو المتفائل تراجع الدولار حتى 45 جنيهاً.
وأوضح فهمي أن تسعير الدولار المتوقع يتوقف على حجم التدفقات النقدية الدولارية من المصادر الرئيسة الخمسة: الصادرات، تحويلات المصريين بالخارج، إيرادات السياحة، قناة السويس، والاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة.
وأضاف أن جميع السيناريوهات تأخذ في الاعتبار وتيرة انخفاض التضخم العام المقبل، إضافة إلى قرارات السياسة النقدية بشأن أسعار الفائدة.
من جانبه رجح رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري، فخري الفقي، أن ينخفض سعر الدولار مقابل الجنيه خلال العام المقبل لمستوى 47 جنيها قابل لمزيد من التراجع.
وعزا الفقي توقعه لهذا المستوى السعري للدولار إلى التدفقات النقدية المرتقبة من مصادر الدولة الأساسية والتي قدرها بنحو 135 مليار دولار العام المالي الحالي، موزعة بين 40 مليار دولار من تحويلات المصريين بالخارج، 55 مليار دولار من الصادرات، 18 مليار دولار من السياحة، و12 مليار دولار من قناة السويس وخدمات التعهيد، إضافة إلى 10 مليارات دولار استثمارات أجنبية مباشرة.
وأشار الفقي إلى أن الدولة أصبحت قادرة على تلبية التزاماتها الدولارية خلال الشهور الأخير، متوقعا استمرار هذا الأداء مع تحقيق فوائض دولارية تعزز مستويات السيولة بالجهاز المصرفي وتدفع الجنيه نحو مزيد من التماسك.
وكذلك تُرجح شركة "فيتش سوليوشنز" للأبحاث والتحليلات أن يتداول سعر الدولار مقابل الجنيه حول 47 إلى 49 جنيهاً خلال عام 2026، إذ سيظل السعر مستقراً تقريباً طوال العام.
ويرى الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل والاستثمار مصطفى بدرة، أن النمو في معدلات التدفقات الأجنبية بنحو 20% تقريبا خلال العام الحالي ساهم في تماسك قيمة العملة المحلية بشكل ملحوظ.
وتوقع استمرار تسارع وتيرة نمو التدفقات الدولارية من المصادر الرئيسية، خاصة الصادرات والسياحة، مما يخفض قيمة الدولار عند 45 جنيها خلال العام المقبل.
"في تقديرى أن السعر المتوازن للدولار خلال 2026 عند 45 جنيها، مستبعدا مزيد من التراجع عن هذا المستوى تجنبا لحدوث هزة في سعر الصرف تربك دراسات الاستثمارات المباشرة أو غير المباشرة"، بحسب بدرة.
كما رجح محللو الاقتصاد ببنك "بى إن بى باريبا" حدوث تراجع طفيف للجنيه في 2026 وبنسبة تقل عن 5%.
وأرجعوا هذه التوقعات إلى أن السيولة الدولارية ستظل متاحة لمصر من العملات الأجنبية، وهو ما قد يشكّل عاملاً يدفع نحو انخفاض معتدل في قيمة الجنيه.
بينما توقع رئيس قسم البحوث في "الأهلي فاروس"، هاني جنينة في عدة مقابلات صحفية أن يدور سعر الجنيه خلال العام المقبل بين 43 و47 جنيه مدعوماً بتحسن عجز ميزان المعاملات الجارية مع زيادة إيرادات قناة السويس والسياحة وكذلك تحسن عجز ميزان المعاملات المالية.
رغم التحسن الملموس في معدلات تدفق العملة الأجنبية، يرى فريق من المحللين أن احتمالات تراجع الجنيه لمستويات تتجاوز 50 جنيهاً خلال العام المقبل قائمة، نتيجة ضغوط خارجية وجيوسياسية محتملة، بجانب تقلبات مؤشر الدولار العالمي.
وقال الخبير الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مدحت نافع: "حالياً ما يقلقني استخدام أدوات مثل عقود المبادلة والعقود الآجلة لخلق وفرة دولارية آنية على حساب التزامات مؤجلة يتحرك معها سعر الصرف بشكل عنيف خاصة لو لم تدعمه أية تدفقات ساخنة او أكثر استقراراً"، بحسب نافع.
وأوضح أنه ليس لديه نموذج محدث يبنى عليه توقعات لسعر صرف الجنيه العام المقبل، غير أن هناك فروقات واسعة بين التنبؤات الحالية والتي تتراوح بين 48 و60 جنيها.
رفع صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن مسار الجنيه في العام المقبل إلى 54.05 جنيه مقابل 54.13 جنيه.
وتغيرت توقعات الصندوق للعام المالي التالي هامشياً لتصبح 55.31 جنيه مقابل 55.13 جنيه.
وكذلك توقعت "كابيتال إيكونوميكس" أن يضعف الجنيه المصري بنحو 10% بحلول نهاية 2026، ليصل إلى 53 جنيهاً للدولار.
