
في تطور مفصلي يُعيد خريطة التوازنات الإقليمية والدولية إلى نقطة الصفر، شنّت الولايات المتحدة الأمريكية هجومًا جويًا عنيفًا استهدف ثلاثة من أهم المفاعلات النووية الإيرانية في كل من( نطنز و أصفهان وبوشهر)، مُحدثة دمارًا واسعًا في البنية التحتية النووية الإيرانية، ومثيرةً عاصفة من التساؤلات السياسية والعسكرية والأخلاقية في الشرق الأوسط والعالم.
الهجوم الأمريكي: ضربة تحت الأرض بأسلحة خارقة
نفذت الضربة باستخدام قاذفات الشبح الاستراتيجية B-2 Spirit، التي تمتاز بقدرتها على التخفي الكامل عن الرادارات، محملةً بـ قنابل خارقة من طراز GBU-57A/B "مطرقة الله"، وهي قنابل تزن نحو 30 ألف رطل (13.6 طنًا)، وتملك قدرة على اختراق أكثر من 60 مترًا في عمق الأرض الصخرية أو الخرسانية.
استهدفت الضربة:
منشأة نطنز: مركز تخصيب اليورانيوم وغرف الطرد المركزي.
مجمع أصفهان،:حيث تجرى البحوث النووية المتقدمة.
محطة بوشهر النووية: وهي المفاعل الإيراني الوحيد المُعلن لتوليد الطاقة.
التمهيد للضربة: حرب ظل واغتيالات وعمل استخباراتي
الهجوم لم يكن مفاجئًا تمامًا. فخلال السنوات الماضية، خاضت إسرائيل وإيران حربًا غير مباشرة في سوريا والعراق وغزة والبحر الأحمر، استهدفت فيها إسرائيل مستودعات سلاح، وقوافل إمداد، وحتى شخصيات علمية بارزة.
وقد اغتيل العديد من العلماء النوويين الإيرانيين، أبرزهم محسن فخري زاده، في عمليات نُسبت إلى "الموساد". وفي الأيام التي سبقت الهجوم، نقلت إيران جزءًا من اليورانيوم المُخصّب إلى مواقع سرية، مما يُشير إلى احتمال تسريب معلومات من الداخل أو رصد تحركات مشبوهة أمريكية وإسرائيلية عبر طائرات استطلاع.
إيران تُخصّب... وإسرائيل تضرب
رغم عضويتها في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسماحها بتفتيش منشآتها، رفعت إيران نسبة التخصيب إلى أكثر من 60%، ما اعتبرته تل أبيب "وصولًا إلى العتبة النووية".
وقد أعلن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو:
"لن نسمح لأي دولة إسلامية بامتلاك سلاح نووي... هذه عقيدتنا الأمنية."
بينما صرّح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بقوله:
"لقد حطمنا قدرة إيران النووية بالكامل."
وأطلق مسؤول في البيت الأبيض تصريحًا خطيرًا:
"إذا أراد الرئيس أن يفعل شيئًا فلا أحد يمنعه، وإذا تكلم فعلى الجميع أن يسمع."
إسرائيل.. الدولة النووية خارج القانون
وفي تناقض فاضح، تواصل إسرائيل امتلاك مفاعل نووي في ديمونا وأسلحة نووية معروفة دوليًا، دون أن تخضع لأي تفتيش أو رقابة، ما يعكس ازدواجية المعايير الدولية، ويُكرّس فكرة أن "النووي حلال على تل أبيب وحرام على طهران"، خاصة أن معظم الدول الغربية تجاهلت تمامًا خطر الترسانة النووية الإسرائيلية وركزت فقط على البرنامج السلمي الإيراني.
هل الضربة موجهة فقط لإيران؟
من الواضح أن الهجوم الأمريكي يتجاوز طهران إلى رسالة استراتيجية موجهة لعدة أطراف:
إلى الصين وروسيا: بأن واشنطن ما تزال صاحبة الكلمة العليا في الشرق الأوسط.
إلى باكستان: الدولة النووية الإسلامية الوحيدة، التي تمثل قلقًا دائمًا لإسرائيل والغرب.
إلى كوريا الجنوبية وبنغلاديش: في دعوة ضمنية لكبح طموحاتهم النووية.
إلى الدول العربية: بأن أي مشروع نووي عربي خارج السيطرة الغربية سيكون مصيره التدمير.
رد إيران... وتحرك المحور المقاوم
حتى الآن، لم تُعلن إيران عن رد عسكري مباشر، لكنها وعدت بـ"رد قاسٍ". ويُرجّح أن يتم ذلك عبر الأذرع الإيرانية الإقليمية، مثل:
حزب الله في لبنان.
الحشد الشعبي في العراق.
أنصار الله (الحوثيين) في اليمن.
أو عبر استهداف مصالح أمريكية وإسرائيلية في الخليج، أو عبر الهجمات السيبرانية.
المجتمع الدولي... عجز أم تواطؤ؟
رغم فداحة الضربة، لم تُعقد جلسة طارئة في مجلس الأمن، ولم تصدر إدانة واضحة من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. واكتفت بعض العواصم ببيانات غامضة تدعو إلى "ضبط النفس"، مما يعكس تخاذلًا دوليًا يُشرعن العدوان ويقوّض ميثاق الأمم المتحدة.
سيناريوهات مفتوحة على الانفجار
المشهد مفتوح على عدة احتمالات:
رد محدود من إيران لتجنب مواجهة شاملة.
تصعيد إسرائيلي جديد لاستدراج إيران إلى رد أكبر.
مواجهة أمريكية إيرانية مباشرة إذا استهدفت طهران مصالح أمريكية.
أو اندلاع حرب إقليمية متعددة الجبهات في حال فتح جبهة الجنوب اللبناني أو الخليج.
الشرق الأوسط على فوهة بركان
الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية لم يكن مجرد ضربة عسكرية، بل رسالة استراتيجية تقول بوضوح: لا مكان لقوة إسلامية مستقلة في النظام العالمي.
وما لم يتم التوصل إلى تسوية عادلة، ويُكفّ عن الكيل بمكيالين، فإن المنطقة كلها قد تُساق نحو انفجار شامل ستكون له آثار مدمّرة على الأمن الإقليمي والعالمي.