جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الادارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

كتاب وآراء   2025-08-30T14:12:15+03:00

الشاعرة والاعلامية سحر الشربينى تكتب : الجانب السلبي في قصة هايدي طفلة الشيبسي

سحر الشربينى

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَحَرَّوا الصَّدَقة»، أي ابحثوا عن مستحقيها، ولا تُعطى إلا لمن هو أهل لها حقًا. فالصدقة عبادة عظيمة، لا تقتصر على مجرد بذل المال، بل تتطلب وعيًا وحكمةً في صرفها، حتى تؤدي غايتها في سد حاجة الفقير وحماية المجتمع من الفساد.

وموقف الطفلة هايدي التي تبرعت بثمن كيس من الشيبسي للفقير موقف نبيل من حيث النية والعاطفة، إذ عبّر عن قلب بريء رحيم لم يتلوث بعد بحسابات الدنيا. غير أن هذا الموقف لا ينبغي أن يُؤخذ بظاهره وحده ليُقدَّم نموذجًا عامًا للأطفال دون وعي أو تفكير، لأن التربية ليست مجرد تشجيع على العاطفة، بل هي أيضًا توجيه نحو الصواب، وتحصين للعقل الصغير من المخاطر.

لكن ما حدث بعد ذلك من احتفاء مبالغ فيه بموقف الطفلة، وتحويله إلى قصة استثنائية تتصدر الأخبار ومواقع التواصل، كان نوعًا من "الأفورة". فبدلًا من أن يكون الموقف مجرد لمسة إنسانية نُعلّم من خلالها أبناءنا دروسًا عملية عن معنى الصدقة الحقيقية، صار الأمر وكأنه دعوة غير مباشرة للأطفال ليعطوا المال لأي متسول في الشارع. وهنا تكمن الخطورة، لأن الرسائل التربوية التي تصل إلى الطفل قد تكون سلبية وهو لا يدري.

إن تشجيع الأطفال على إعطاء المال لمتسولي الشوارع مباشرة قد يفتح أبوابًا من الشر، فالكثير من هؤلاء لا يستحقون العطاء، وبعضهم يستغل مظهر الحاجة ليجمع المال بطرق غير مشروعة، أو قد يكونون جزءًا من شبكات إجرامية تمارس استغلال الأطفال أو تجارة الأعضاء أو غيرها من الجرائم. وهنا ينشأ الطفل معتقدًا أن الصواب هو أن يُعطي ماله لكل من مدّ يده، دون تمييز أو فطنة.

من واجبنا كآباء ومربين أن نعلّم أبناءنا الفرق بين الصدقة الصحيحة والعطاء الخاطئ، وأن نوضح لهم أن الصدقة ليست عشوائية، بل هي منظمة وموجهة لمن يستحقها حقًا: للأيتام، والأرامل، والمرضى، والفقراء الحقيقيين، عبر القنوات الموثوقة مثل الجمعيات الخيرية، وصناديق الزكاة، أو مبادرات المجتمع الموثوقة. وبهذا نحقق مقصد الشرع في إيصال الصدقة إلى أهلها، ونحفظ أبناءنا من أن يكونوا سببًا – وهم لا يشعرون – في دعم الفساد أو تغذية الاستغلال.

إن العاطفة وحدها لا تكفي لبناء شخصية متوازنة؛ بل يجب أن تُقرَن بالبصيرة. فإذا ربّينا أبناءنا على الرحمة، ثم علّمناهم أن الرحمة لا تعني السذاجة، فإننا نكون قد وضعناهم على الطريق الصحيح: قلبٌ رحيم، وعقلٌ واعٍ، وسلوكٌ رشيد.

فالحكمة أن نقول للطفلة "أحسنتِ يا هايدي على نيتك الطيبة"، لكننا نضيف: "في المرة القادمة أعطي تبرعك في مكان آمن وموثوق، حتى يصل إلى من يستحقه فعلًا". وبهذا نزرع فيها حب الخير مقرونًا بالفهم الصحيح، فلا تنقلب نبلها يومًا إلى خطر عليها أو على غيرها.

والأخطر من كل ذلك أن الإعلام ووسائل التواصل حين تُبالغ في تضخيم مثل هذه المواقف، فإنها قد تُرسّخ في عقول الأطفال رسائل مشوشة: أن البطولة هي أن تعطي المال لمتسولي الشوارع، وأن الفضيلة تعني العطاء بلا تفكير. وهذا ظلم للتربية، وتشويه لمفهوم الصدقة. فالاحتفاء الحقيقي يجب أن يكون بتعليم الصغار كيف يتحرّون الحق ويضعون الخير في موضعه، لا بالاكتفاء بعرض مشاهد عاطفية سرعان ما تتحول إلى قدوة خاطئة.


مقالات مشتركة