جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2019-06-20T20:42:19+02:00

قراءة هادئة لمشهد الصراع الأمريكى الايرانى فى الخليج العربى

سيد سعيد
**أمريكا تسعى لفرض اتاوات على الملاحة فى الخليج العربى بزعم حماية الناقلات البحرية من التحرش الفارسى .
**ادارة البيت الأبيض تغازل حكام طهران للتفاوض بشأن الاتفاق النووى بشروط جديدة .
** الاحتلال الأمريكى للعراق كان بمثابة هدية ثمينة قدمتها واشنطن للملالى عبر تقوية الموالين لهم من الشيعة العرب .
** غضب فى أمريكا من النفاق القطرى فى أزمة الخليج ، وطهران تستغل موقف حكام الدوحة لصالحها .
** دول الخليج العربية لن تقف مكتوفة الأيدى أمام أى تهديد يستهدف أمنها واستقرارها ومصالحها الاستراتيجية .

ان احتمالات اندلاع حرب بين أمريكا وايران.، باتت القضية الأهم التى تشغل حيزا كبيرا من اهتمام المحللين والخبراء، ما جعلها قضية حاضرة ومطروحة بقوة على ساحة التجاذبات الدولية ،والتوازنات الاقليمية ، ففى اطار تصعيد الأزمة مع ايران ، أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية حاملات طائرات وقاذفات، شعارها المعلن، هو ردع طهران، والرد على تهديداتها لمصالح واشنطن وبلدان الخليج ، لكن ما بين التهديدات المتبادلة جرت أعمال تخريبية،أثارت العديد من التكهنات تدور حول توجيه الاتهامات صوب طهران أو أجهزة استخبارات تدفع فى اتجاه اشعال المنطقة ، تمثلت الأعمال التخريبية ، فى تفجيرات لناقلات نفط بميناء الفجيرة بدولة الامارات العربية ، ثم استهداف منصات استخراج بترول سعودية بطائرات من دون طيارين، وقبل أيام ، جرى تفجير لناقلات أجنبية قبالة خليج عمان، ما جعل التساؤلات المهمة تدور حولها ... من الذى ارتكبها ، هل ايران ، أم أزرعها التى طوقت بها منطقة الخليج العربى ، أم جماعات ارهابية موالية لها ، أم تنظيمات ارهابية تعل لحساب أمريكا فى المنطقة ،هل داعش أم القاعدة ، أم هو فعل استخباراتى لتأجيج الفتن ،وما هو الدور القطرى الغامض لزعزعة استقرار المنطقة بأكملها ، هل تورطت قطر فى ارتكاب هذه الأعمال الارهابية ،ولماذا تحفظت الدوحة على البيان الختامى للقمة العربية فى مكة ، وهو البيان الرامي لادانة طهران لتدخلها فى شئون بلدان الخليج العربية ...و .. و. الخ .

قبل الغوص فى التفاصيل، علينا التوقف ، ولو قليلا ، أمام بعض النقاط التى يمكن الامساك بها فى ظل تعقيدات المشهد، ايران استثمرت الموقف القطرى لصالحها ورأت فيه انقساما بين بلدان الخليج العربى ، كما أنها روجت عن وجود رغبة خليجية للتقارب معها ، الموقف القطرى أثار ، أيضا ، شكوك واشنطن فى الحليف القطرى من الأزمة ، فالبيت الأبيض يرى فيه اضعافا للموقف الأمريكى ، لأن قطر تريد الابقاء على العلاقة الاستراتيجية مع أمريكا، فى نفس الوقت الذى تريد فيه الابقاء على علاقتها مع طهران، وهى علاقة تتناقض مع الرغبة الأمريكية والمصالح الخليجية . واشنطن ذاتها استغلت التفجيرات التى استهدفت المصالح الاقتصادية لصالحها ، حيث كشفت ادارة البيت الأبيض عن تدابير لم تكن معلنة من قبل ، مفادها تحصيل اتاوة لحماية السفن المارة فى الخليج العربى ، باعتبارها عصب التجارة الدولية ، وأنها ستتواجد بأساطيلها وبدعم من قواعدها العسكرية لحماية المصالح الدولية... يعنى هى ستتواجد للرد على ايران وستتواجد لحماية التجارة الدولية وستتواجد لحماية مصالحها وستتواجد لتأديب الشيطان الفارسى ، وستتواجد للدفاع عن بلدان الخليج العربية من الخطر الايرانى ، وأغلب الظن أن واشنطن ستبحث عن أسباب أخرى كى تتواجد من أجلها .


فى المقابل ، واشنطن وبحسب تقارير أجهزتها المعلوماتية ،تتخوف من اندفاع طهران نحو ضرب أهداف أمريكية ، سواء بصورة مباشرة أو من خلال أزرعها المنتشرة فى عدد من الدول الاقليمية لبنان وسورية والعراق واليمن، لكن ما بين التباين فى تقدير الموقف حول اندلاع الحرب بينهما رغم تزايد احتمالاتها من الناحية الشكلية ، أو عدم نشوبها، سيظل التلاعب الأمريكى باستقرار المنطقة هو العنوان الأبرز ،الا أن القراءة العقلانية تشير الى استبعاد احتمالات اندلاعها ، وهو التصور الأقرب الى الحقيقة من وجهة نظرى . فرغم ارتفاع حدة التشدد من إدارة ترامب في سياستها تجاه ايران، ورغم كل التصريحات والتهديدات التصعيدية التي تصدر على مدار الساعة من المسؤولين الأمريكيين، فان الولايات المتحدة الأمريكية لاعتبارات استراتيجية، لا تريد أن تخرج ايران نهائيا من معادلة توازن القوى في المنطقة ،لكنها ترغب فى تحجيمها واجبارها على الالتزام بقواعد اللعبة الأمريكية، كما أن ان الرئيس الأمريكي ترامب على الرغم من اتخاذه قرارات عنترية اعتبرها البعض مغامرة غير محسوبة على غرار انسحابه من الاتفاق النووي ، الا ان هدفه الأساسي من التصعيد هو دفع الإيرانيين الى قبول التفاوض المباشر مع الادارة الأمريكية حول اتفاقية جديدة بشروط جديدة. للتأكيد على تلك الحقائق ما جرى تداوله اعلاميا على نطاق واسع فى الأونة الأخيرة ، مفاده تراجع ترامب عن خطاب التهديد، ولغة التحريض ، وأبداءه رغبة فى التفاوض مع حكم الملالى ، وحث ايران على الاتصال به ، كما حرص مسئولين بارزين فى ادارة البيت الأبيض على ابلاغ طهران بأن هدف البيت الأبيض هو التفاوض والاتفاق على بعض الأمور الخاصة باتفاق الأسلحة النووية . اذا المصالح الأمريكية وأمن اسرائيل فيما يتعلق بالاتفاق النووى ، يسبقان كافة الأطروحات التى تعلن عنها الولايات المتحدة ليل نهار بوسائل الاعلام والمؤتمرات واللقاءات مع قادة العالم، بما يعنى أنها حركت أساطيلها لتحقيق مصالحها ومصالح الدولة العبرية أولا ، والتأكيد على هيمنتها العسكرية ، فضلا عن ابتزاز المنطقة ، فهى تعلم ، أى الادارة الأمريكية، ان اندلاع الحرب فى منطقة الخليج العربى، ستشمل المنطقة بأكمله


كما أن دول الخليج العربية، سواء تراضى الطرفان الأمريكى والايرانى أو اختلفا ،هى طرفا أساسيا وفاعلا فى معادلة الصراع المحتدم حاليا أو مستقبلا ، فهى وحدها التى ستدفع ثمن مواجهة مغامرات حكم الملالى للسيطرة على المنطقة، عبر تحالفها مع حكام قطر المارقين عن الصف العربى ، أو عبر أزرعها المتناثرة فى العراق واليمن، أو تهديداتها باغلاق مضيق هرمز كممر ملاحى استراتيجى ، كل هذه الاشكاليات ، لا يمكن اغفالها عن مجمل الأحداث الدائرة الآن ، خاصة اذا علمنا أن أى مغامرة سواء من الجانب الأمريكى أو الجانب الايرانى ،ستدفع بالضرورة ، الى دخول أطراف دولية لها مصالح استراتيجية فى المنطقة ، مثل روسيا والصين وتركيا وبلدان أوربية، وهو ما شاهدناه فى رد الفعل حول الرغبة الأمريكية فى فرض اتاوات على السفن المارة بزعم حمايتها ، حيث اعتبرت بريطانيا أهم حلفاء واشنطن أن هذه التصريحات لا يمكن قبولها ، فالدول المؤثرة لن تقبل بانفراد أمريكا ولن تجلس فوق مقاعد المتفرجين، بل ستتدخل لحماية مصالحها، ماسيجعل الشرق الأوسط منطقة مشتعلة حال اندلاع أى مواجهات عسكرية ، ولنا فيما جري فى سوريا والعراق دليل،عندما تعددت القوى المتصارعة من أجل مصالحها ،وعندما جرت تحالفات المصالح، وعندما تراجعت العنترية الأمريكية والانتهازية التركية أمام ارادة الدب الروسى ، لكن فى النهاية كانت سورية هى الخاسر الوحيد أمام لعبة صراع المصالح التى تم فيها استخدام أبشع الأساليب عبر دعم التنظيمات الارهابية .. جانب آخر لا يمكن اغفاله بحال من الأحوال، باعتباره أحد أهم المرتكزات الأساسية فى الحروب العسكرية ،أى حرب عسكرية ،ويكمن فى ضرورة وجود ساحة للمواجهات المحتملة على الأرض، وهذا لا يخرج فى ظن الكثيرين عن العراق باعتباره دولة حدودية مع ايران،لكن لو توقفنا أمام الحالة العراقية، سنجد أنه بلد متشرزم على كافة المستويات ، فقد كان الاحتلال الأمريكى للعراق بمثابة هدية ثمينة قدمتها واشنطن لطهران، خاصة أن الممارسات الأمريكية فى أعقاب سقوط بغداد ، مزقت النسيج الوطنى العراقى بما يصب فى صالح ايران، لصالح الشيعة ،أمدتهم بالسلاح والدعم السياسي ، لذا كانت النتائج على الأرض كارثية ، بما يعنى أن العراق فى اللحظة الراهنة معقد ، سياسياً وطائفياً ومذهبياً وعشائرياً ، ففى أى خندق سيكون العراق ، أم أنه سينقسم بين الولايات المتحدة الأمريكية بحلفها المعلن وايران بحلفائها المحتملين وفى القلب منهم دويلة قطر التى أثارت مواقفها الريبة فى أعقاب تحفظها على قرارات قمة مكة ، لذا فان التساؤل الجوهرى ..هل ستكون العراق مسرحاً للحرب الوشيكة، باعتبارها دولة مواجهة ،أم أنه سيدخلها نيابة عن الأطراف الرئيسية ؟، أغلب الظن هناك عدم وجود ثقة من الجانب الأمريكى فى الموقف العراقى، جراء التخوف من تهديد المصالح الأمريكية فى المنطقة برمتها ،وليس العراق فقط ، وهذا وضح جليا فى استهداف السفارة الامريكية فى بغداد وقنصليتها فى البصرة . من هذه الزاوية ، يمكن التأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية، بمؤسساتها الاستخباراتية والعسكرية، ومراكزها البحثية ، تعلم يقينا، أن الحرب مع إيران ستكون لها فاتورة باهظة ،لا تستطيع أمريكا ولا ايران، تحمل كلفتها الاقتصادية والأمنية ، فضلاً عن مخاطر تداعياتها التى ستكون أكثر تأثيراً على العالم، وليس على دول المواجهة فقط .


إيران تهدد بأنها تمتلك ترسانة أسلحة سرية قادرة على تدمير الأساطيل البحرية الأمريكية بطائراتها وقاذفاتها واغراقها فى قاع الخليج ، كما أن تصريحات قادتها تتضمن التلويح بأن طهران قادرة على قلب المنطقة رأسا على عقب، فى هذا السياق لا يمكن لى أو لغيرى ، تأكيد صحة ما تحويه التصريحات الايرانية ، ولا حقيقة امتلاكها القوة، التى تدعو لهذا الاستعر اض ، كما أننى لا أملك نفي وجود هذه القوة ، لكن يمكن لنا تفهمها فى اطار الحروب النفسية بين طرف يلوح بالسحق وآخر يلوح بالتدمير،كما أننى أستطيع وفق قراءتى للمشهد ، التأكيد على أن المواجهة العسكرية مع ايران، تعني بالضرورة تهديداً مباشراً لأمن المنطقة بأكملها، وهذا فى ظنى ،ما لا تقبل به دول الخليج ، فهل لن تقف مكتوفة الأيدى أمام أى تهديد يستهدف أمنها واستقرارها ، لكن أمام حالة استبعاد الحرب ،يبرز على السطح تساؤل مهم ،مفاده ، ما الذى تريده أمريكا من تصعيد خطاب الحرب مع طهران ؟ ..مضمون الجواب لا يخرج عن تحجيم النفوز الايرانى فى المنطقة ، ومحاولات ابتزاز أمريكى لدول الخليج العربية ، عبر تسويقها بأن الولايات المتحدة هي الوحيدة التى تستطيع التصدى للخطر الايرانى، وهذا بدوره سيساهم فى رواج تجارة السلاح، وتنامى الاقتصاد المتعثر للدولة الأكبر فى العالم ، لكن دول الخليج تعى تطلعات واشنطن الخفية ، ولن تسمح باستغلالها فى حروب بالوكالة لصالح أمريكا واسرائيل ، فهى تعمل على وأد الخطر الفارسى فى ظل استراتيجية الأمن القومى العربى ، عبر التنسيق مع مصر باعتبارها قوة اقليمية فاعلة ومؤثرة . بعض الآراء ذهبت الى أن بلدان الخليج ستكون المستفيد من اندلاع الحرب فى المنطقة فتداعياتها ستؤدى بالضرورة الى ارتفاع أسعار النفط فى السوق العالمى، لكن مثل هذه التصورات والآراء ،لاترقى لمستوى القراءة الدقيقة للمشهد بكل تعقيداته الاقليمية والدولية ، خاصة اذا علمنا أن المكاسب التي ستجنيها بلدان الخليج العربى من صعود أسعار النفط ، هذا ان حدث ستكون جزءاً من كلفة الحرب ، ما يعنى أن واشنطن المستفيد الوحيد من ارتفاع الأسعار جراء محاولاتها السيطرة على التجارة الدولية فى الخليج العربى . الخلاصة هى أن الولايات المتحدة لن تخوض حرباً ضد إيران ، ولا تستطيع أن تخوضها، لدرايتها بتعقيدات المصالح الدولية، والمواقف المضادة لتحركاتها من دول كبرى ،مؤثرة فى القرار الدولى .

مقالات مشتركة