
منذ أن
تفتحت أيامي على الحياة، وأنا أؤمن إيماناً راسخاً ،لا يقترب منه ريب، بأن الله
يقيم إقامة دائمة فى قلوب المخلصين ، و
يشع الطمأنينة فى نفوس الأتقياء ، فهو الذى
يحميهم ويحرسهم ويقيهم من شرور البشر
، و هو الذى يمسك بأيديهم وهم يعبرون جسور الخطر إلى براح الأمان، مُسلحين بارادة لا تلين وعزيمة لا تُقهر ، كما
أنني أؤمن منذ أيامى البعيدة و مع بدايات
الوعى والادراك ، بأن الوطن ليس شارة قماش ملونة نقف لتحيتها فى طابور الصباح، وإن
كانت رمزاً يستحق الاجلال والتحية ،و ليس الأناشيد الحماسية التى نرددها أوقات الأزمات
والمحن لاستنهاض الهمم ، وان كانت جزءًا
لا يتجزأ من مفاهيم الإنتماء وغرس القيم ،
فالوطن حسب ظني وقناعاتى ، أعمق من هذا كله، فهو الجغرافيا والتاريخ ، المعارك
والبطولات والتضحيات ، هو دماء الشهداء التى صبغت طين الأرض البتول ، نحيب الثكالى
، وأنين اليتامى، ودعوات العجائز والبسطاء ، هو
أحلام الطفولة البريئة فى السنوات
البعيدة، أمنيات الصبا والشباب ، هو زرقة
مياه البحر وعذوبة مياه النيل، هو الزرع
والبيوت والحواري ورائحة الطين ، المساجد والكنائس ، المقابر والأضرحة ومقامات أولياء الله ، والمعابد
القديمة ، هو الحكايات الفلكلورية ، والأساطير والحضارة ، المؤسسات الدستورية الصلبة الضامنة
للاستقرار .
اعتدت وفق
تلك القناعات التى أؤمن بها منذ أن تشكل وعيي ، أن لا أقف فى المنطقة الرمادية،
منطقة "البين بين"، باعتبار أن الحياد فى قضايا الوطن خيانة ، نعم خيانة
، بل خيانة عظمي، فمعارك الوطن لا تحتمل التنظير ولا تحتمل التباين فى وجهات
النظر، أو تعدد الخيارات ، فقط خيار وحيد ، إما مع البلد أو ضدها ، مع مؤسساتها فى
الحرب ضد أعداء الوطن أو ضدها .
ربما
يتسائل سائل ، ما الذى دفعنى للكتابة عن هذا الشأن فى هذا التوقيت ؟.. الاجابة على
هذا التساؤل مشحونة بالمفارقات التى تدفع للتوقف أمامها طويلاً ، منها ، أنني
أتابع مثل غيرى ، هوس المحاولات الدنيئة التى لا تتوقف لهدم إستقرار الدولة ،
فماكينة الشائعات تبث سمومها على مدار الساعة ، حيث يتم إدارة الشائعات وتدويرها
على السوشيال ميديا باحترافية للتحريض ضد مؤسسات الدولة ، ومن العجب أن هذا "المورستان"
له جمهور من نخبة شائهة لا تبحث الا عن مصالحها الذاتية و مكاسبها الشخصية ، حتى
لو كانت المكاسب على حساب البلد ، والغريب
هو تنامى وتيرة المبررات الواهية التى تدور فى فلك الاقناع بأنها معارضة ، وأن
تشويه صورة الدولة والجور على مؤسساتها قمة الوطنية ، رغم عدم سلامة تلك المصطلحات
فالمعارضة الحقيقية تقف فى خندق الدولة
ولا تساهم فى حملات تشويه العقول ،
والوطنية الحقيقية وليست الزائفة ، تتمثل فى
الالتفاف حول المؤسسات ودعمها ، باعتبار أن الوقوف خلف تلك المؤسسات فريضة
وطنية .
يقيناً.. لن
تفلح محاولات الهدم والتخريب التى تمولها حكومات وتخطط لها أجهزة استخبارات تريد
النيل من مصر لعرقلة اى تقدم لها، فالهدف من الشائعات هو إثارة الفوضى فى ربوع
البلاد ، والتحريض ضد المؤسسات ، فمن دون تلك المؤسسات التى تمثل الأعمدة الرئيسية
لبنيان الدولة ، تصبح الدولة ، أي دولة، مسرحاً للفوضى وطغيان شريعة الغاب، ناهيك
عن السلب والنهب والتخريب .
إن
الإستقرار الذى تنعم به الدولة المصرية على المستويات كافة ، لم يأت من فراغ ،
إنما بجهود جبارة ومعارك ذهنية تفوق قدرة
العقل على تصورها ، ربما لا يعلم المواطن العادى عن المعارك الضارية ، سوى
المواجهات والمداهمات الاستباقية و استشهاد بعض الضباط من أشرف وأنبل أبناء هذا
البلد ، لكن هناك الكثير من الأمور، لا
تخرج للعلن ، بل تدور مشاهده فى سرية تامة وبعيداً عن العيون ، فالمتابع للضربات
الأمنية ضد التنظيمات الارهابية ، سيتوقف طويلاً أمام براعة ومهارة ضباط الأجهزة
الأمنية ، وفى القلب منها جهاز "الأمن الوطني" الذى يحمل عبء تأمين الجبهة الداخلية بتنوع
مفرداتها الأمنية و السياسية والاقتصادية ومكافحة الشائعات و التنظيمات الارهابية
والحروب الإلكترونية،وكل هذا يمثل
الاستراتيجية الشاملة للدولة، وفيما يتعلق بالحرب على الارهاب ، حدث ولا
حرج ، ابتداءاً من اختراق التنظيمات وتفكيك بنيتها التمويلية والبشرية، وليس
انتهاءاً بدعم التوجهات الفكرية القادرة على دحض الخزعبلات والفتاوى الدموية ،
وتكفير سلطات الحكم ، فالقضاء على الارهاب ليس مهمة محلية تقتصر على المواجهات كما
يتصور البعض ، بل مهمة عابرة للقارات ،
ولا تتوقف عند حدود المداهمات والقبض على العناصر الارهابية قبل تنفيذ
عملياتها .
إن تتبع
قيادات التنظيمات والجماعات الارهابية ،
يتجاوز الحدود الجغرافية للدولة ويمتد الى عواصم عدة ، حيث تقيم تلك العناصر ،
وحيث تتمتع بحماية دولية ، توفرها حكومات غربية وأجهزة استخبارات .
إن أمن
الجبهة الداخلية ليس ترف للمجتمعات التى تنشد النهوض ، لكنه من أهم مفردات
ومقومات الأمن القومي بمفهومه الشامل ،
فلا تقوى أي دولة على حماية المجتمعات والمؤسسات الدستورية من دون إستراتيجية
أمنية ، تقوم على الإبداع والابتكار و مواكبة التطور المذهل فى أساليب أجهزة المعلومات ، بما يحقق لها التفوق
والقدرة على حماية الدولة ، خاصة ان الدولة المصرية تتعرض لحروب شرسة ، لكن تبقى
الثقة فى المؤسسة التى تتصدى للحروب فى مجالات الاقتصاد والامن الاجتماعى والأمن
السيبرانى ، وعليها يقع عبء التصدى لأى محاولة من شأنها ترويع المجتمع ، فى
النهاية .. هذه قناعاني التى أؤمن بها .