جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2023-04-11T00:10:57+02:00

الوطن فى ضميري

سيد سعيد

منذ أن تفتحت أيامي على الحياة، وأنا أؤمن إيماناً راسخاً ،لا يقترب منه ريب، بأن الله يقيم إقامة دائمة فى قلوب  المخلصين ، و يشع الطمأنينة فى نفوس الأتقياء ، فهو الذى  يحميهم ويحرسهم ويقيهم من شرور البشر  ، و هو الذى يمسك بأيديهم وهم يعبرون جسور الخطر إلى براح الأمان،  مُسلحين بارادة لا تلين وعزيمة لا تُقهر ، كما أنني أؤمن منذ  أيامى البعيدة و مع بدايات الوعى والادراك ، بأن الوطن ليس شارة قماش ملونة نقف لتحيتها فى طابور الصباح، وإن كانت رمزاً يستحق الاجلال والتحية ،و ليس الأناشيد الحماسية التى نرددها أوقات الأزمات والمحن  لاستنهاض الهمم ، وان كانت جزءًا لا يتجزأ من  مفاهيم الإنتماء وغرس القيم ، فالوطن حسب ظني وقناعاتى ، أعمق من هذا كله، فهو الجغرافيا والتاريخ ، المعارك والبطولات والتضحيات ، هو دماء الشهداء التى صبغت طين الأرض البتول ، نحيب الثكالى ، وأنين اليتامى، ودعوات العجائز والبسطاء ، هو  أحلام الطفولة البريئة  فى السنوات البعيدة، أمنيات الصبا والشباب ، هو  زرقة مياه البحر وعذوبة مياه  النيل، هو الزرع والبيوت والحواري ورائحة الطين ، المساجد والكنائس ، المقابر  والأضرحة ومقامات أولياء الله ، والمعابد القديمة ، هو  الحكايات  الفلكلورية ، والأساطير  والحضارة ، المؤسسات الدستورية الصلبة الضامنة للاستقرار  .

اعتدت وفق تلك القناعات التى أؤمن بها منذ أن تشكل وعيي ، أن لا أقف فى المنطقة الرمادية، منطقة "البين بين"، باعتبار أن الحياد فى قضايا الوطن خيانة ، نعم خيانة ، بل خيانة عظمي، فمعارك الوطن لا تحتمل التنظير ولا تحتمل التباين فى وجهات النظر، أو تعدد الخيارات ، فقط خيار وحيد ، إما مع البلد أو ضدها ، مع مؤسساتها فى الحرب ضد أعداء الوطن أو ضدها .

ربما يتسائل سائل ، ما الذى دفعنى للكتابة عن هذا الشأن فى هذا التوقيت ؟.. الاجابة على هذا التساؤل مشحونة بالمفارقات التى تدفع للتوقف أمامها طويلاً ، منها ، أنني أتابع مثل غيرى ، هوس المحاولات الدنيئة التى لا تتوقف لهدم إستقرار الدولة ، فماكينة الشائعات تبث سمومها على مدار الساعة ، حيث يتم إدارة الشائعات وتدويرها على السوشيال ميديا باحترافية للتحريض ضد مؤسسات الدولة ، ومن العجب أن هذا "المورستان" له جمهور من نخبة شائهة لا تبحث الا عن مصالحها الذاتية و مكاسبها الشخصية ، حتى لو كانت المكاسب  على حساب البلد ، والغريب هو تنامى وتيرة المبررات الواهية التى تدور فى فلك الاقناع بأنها معارضة ، وأن تشويه صورة الدولة والجور على مؤسساتها قمة الوطنية ، رغم عدم سلامة تلك المصطلحات فالمعارضة الحقيقية  تقف فى خندق الدولة ولا تساهم فى حملات تشويه العقول  ، والوطنية الحقيقية وليست الزائفة ، تتمثل فى  الالتفاف حول المؤسسات ودعمها ، باعتبار أن الوقوف خلف تلك المؤسسات فريضة وطنية .

يقيناً.. لن تفلح محاولات الهدم والتخريب التى تمولها حكومات وتخطط لها أجهزة استخبارات تريد النيل من مصر لعرقلة اى تقدم لها، فالهدف من الشائعات هو إثارة الفوضى فى ربوع البلاد ، والتحريض ضد المؤسسات ، فمن دون تلك المؤسسات التى تمثل الأعمدة الرئيسية لبنيان الدولة ، تصبح الدولة ، أي دولة، مسرحاً للفوضى وطغيان شريعة الغاب، ناهيك عن السلب والنهب والتخريب .

إن الإستقرار الذى تنعم به الدولة المصرية على المستويات كافة ، لم يأت من فراغ ، إنما بجهود  جبارة ومعارك ذهنية تفوق قدرة العقل على تصورها ، ربما لا يعلم المواطن العادى عن المعارك الضارية ، سوى المواجهات والمداهمات الاستباقية و استشهاد بعض الضباط من أشرف وأنبل أبناء هذا البلد ، لكن هناك الكثير  من الأمور، لا تخرج للعلن ، بل تدور مشاهده فى سرية تامة وبعيداً عن العيون ، فالمتابع للضربات الأمنية ضد التنظيمات الارهابية ، سيتوقف طويلاً أمام براعة ومهارة ضباط الأجهزة الأمنية ، وفى القلب منها جهاز "الأمن الوطني"  الذى يحمل عبء تأمين الجبهة الداخلية بتنوع مفرداتها الأمنية و السياسية والاقتصادية ومكافحة الشائعات و التنظيمات الارهابية والحروب الإلكترونية،وكل هذا يمثل  الاستراتيجية الشاملة للدولة، وفيما يتعلق بالحرب على الارهاب ، حدث ولا حرج ، ابتداءاً من اختراق التنظيمات وتفكيك بنيتها التمويلية والبشرية، وليس انتهاءاً بدعم التوجهات الفكرية القادرة على دحض الخزعبلات والفتاوى الدموية ، وتكفير سلطات الحكم ، فالقضاء على الارهاب ليس مهمة محلية تقتصر على المواجهات كما يتصور البعض ، بل مهمة عابرة للقارات ،  ولا تتوقف عند حدود المداهمات والقبض على العناصر الارهابية قبل تنفيذ عملياتها .

إن تتبع قيادات التنظيمات والجماعات  الارهابية ، يتجاوز الحدود الجغرافية للدولة ويمتد الى عواصم عدة ، حيث تقيم تلك العناصر ، وحيث تتمتع بحماية دولية ، توفرها حكومات غربية وأجهزة استخبارات .

إن أمن الجبهة الداخلية ليس ترف للمجتمعات التى تنشد النهوض ، لكنه من أهم مفردات ومقومات  الأمن القومي بمفهومه الشامل ، فلا تقوى أي دولة على حماية المجتمعات والمؤسسات الدستورية من دون إستراتيجية أمنية ، تقوم على الإبداع والابتكار و مواكبة التطور المذهل فى  أساليب أجهزة المعلومات ، بما يحقق لها التفوق والقدرة على حماية الدولة ، خاصة ان الدولة المصرية تتعرض لحروب شرسة ، لكن تبقى الثقة فى المؤسسة التى تتصدى للحروب فى مجالات الاقتصاد والامن الاجتماعى والأمن السيبرانى ، وعليها يقع عبء التصدى لأى محاولة من شأنها ترويع المجتمع ، فى النهاية .. هذه قناعاني التى أؤمن بها .


مقالات مشتركة