بالفعل نحن أمام قضية خطيرة، والمخاوف منها كبيرة، والشائعات حولها مُحرضة على الريبة، وما بين هذا وذاك تكمن الحيرة، ولا يوجد حتى اللحظة من لديه القدرة على منع نزيف الشكوك، فاتسعت مساحة الجدل بين مؤيد هنا ومعارض
هناك، وأصبح الحديث عن قانون أوضاع اللاجئين فى مصر، يفوق ما سواه، خاصة مع تنامى المخاوف من منحهم الجنسية، فقبل أن ينتهى البرلمان من إقراره، اشتعلت منصات السوشيال ميديا، بآراء متناقضة فى كثير من الأحيان، ومتباينة إلى حد ما فى أحيان أخرى، وسط هذا الصخب والضجيج، تاهت كثير من الأمور حول جدوى التشريع الجديد وتداعياته، عما إذا كانت كارثية، بحسب وجهات نظر البعض، أو إيجابية حسب وجهات نظر أخرى، وما بينهما باتت منصات الميديا الشعبية بمثابة ترمومتر حقيقى، لقياس درجة التفاعل مع الكثير من القضايا المهمة، وذلك فى ظل تجاهل للرأى العام يبدو عمديًا ومثيراً للشكوك.
لكننى فى هذا المقال سأتوقف أمام نقطتين أرى من وجهة نظرى، أنهما فى غاية الأهمية، الأولى تتمثل فى فشل الإعلام، سواء الرسمى أو الخاص، بتنوع منصاته من قنوات فضائية وصحف ومواقع إلكترونية، فى تصدير خطاب جاد حول مشروع القانون، كأحد آليات الحوار المجتمعى، خاصة أن الأمر يتعلق بقضية شائكة، ظلت محوراً لأحاديث الناس فى الآونة الأخيرة، بل وأثارت مخاوفهم من الناحيتين الأمنية والاجتماعية، فى ظل تضارب الأرقام حول حقيقة الأعداد الهائلة، الوافدة من بلدان عربية، ليبيا وسورية والسودان والعراق واليمن، ممن دخلوا مصر فى العقد الأخير من هذا القرن، فضلاً عن أن وسائل الإعلام من ناحية، أو الحكومة من ناحية أخرى، لم تتح أيا منهما مساحة كافية لنقاش أهل الاختصاص بصورة علنية ومباشرة مع الجمهور، حول مشروع القانون، لتبديد مساحة التكهنات السلبية التى اتسعت مع موجة تكذيب عاتية من الإعلام المعادى، لكل ما يصدر عن الحكومة من قرارات، أو يصدر عن البرلمان من تشريعات.
أما النقطة الثانية التى حلقت فى ذهنى، وأود الحديث عنها فمفادها أن مشروع القانون، وبمجرد الإعلان عنه، أغضب كثيرين سواء من المهمومين بقضايا الشأن العام، أو غير المهمومين، ربما لعدم وجود معلومات كافية أو هدف معلن، لذا لم يكن غريباً أن يبرز على سطح المشهد طرفين، لا يمثل أى منهما القاعدة العريضة داخل المجتمع، كل من الطرفين اللذين استحوذا على مساحة الجدل على منصات السوشيال ميديا، متعصب لرأيه، وان تلاقت مصالحهما فى معارضة القومية بمفهومها الأيديولوجى المرتبط بالأرض واللغة والدين والمصير الأمنى المشترك، وأعنى هنا مفهوم القومية العربية، وأيا كانت تلك النظرة إيجابية أو سلبية، فهذا لا يمنع أن الفريقين اتفقا من الناحية الشكلية على رفض القانون، وإطلاق العنان لخزعبلات مفادها التآمر أو التواطؤ على حساب المصلحة الوطنية، وفى هذا السياق، لا أظن أنا وكثيرون مثلى، أن القائمين على إعداد التشريع، سواء حكومة أو نواب، لهم أهواء تسير عكس اتجاه المصلحة العامة، وبالطبع منها هذا القانون، بما يعنى أن كليهما صدى صوت لرؤى ومفاهيم شيفونية، أو ظلاً لها، فيما يخص الجدل الدائر، وهذا بدوره يعنى أيضاً أن الأمر برمته، ليس سوى معركة وهمية مشحونة بالمزايدات، تدور رحاها على منصات التواصل الاجتماعى، خاصة إذا علمنا أن ما يتم تداوله لا علاقة له بمشروع القانون من الأساس، أى أن البرلمان يناقش مشروع قانون غير الذى تدور بشأنه المعركة المحتدمة، ونحن لا نعرف من الذى قام بتسريب المسودات، وهل هى حقيقية أم مزورة؟
الفريق الأول الذى أثار لغطاً حول مشروع القانون، هم التيارات المارقة والمتطرفة والمعروفة فى الأدبيات السياسية بجماعات الإسلام السياسى، أما التيار الثانى فهم المتطرفون القوميون، وربما أبرزهم وأكثرهم صخباً الكمايتة، وهم دعاة رفض الانتماء العربى.
التيارات المارقة يقولون إن القانون يمنع حقوق اللاجئين السوريين ممن ينتمون لأفكارهم، بل وذهبوا لأبعد من ذلك، وهو الرغبة فى منح كل اللاجئين الجنسية، بلا أى ضوابط أو محاذير تتعلق بالأمن القومى، لأنهم يعتبرون أن مفهوم الأمن القومى مصطلح فضفاض، تستخدمه الدولة لمحاربة خصومها، بينما الفئة الثانية، لا تريد قبول أى حديث عن القانون، مهما كانت الضوابط والشروط، وترى أن القانون سيفتح باب الجنسية للهكسوس والتتار والعربان، حسب توصيفهم، بما يعنى أنهم يرفضون منح الجنسية لأى لاجئ، أيا كانت جنسيته الأصلية، جملة وتفصيلاً، وفى هذا السياق المشحون برؤية عاطفية، لا يمكن إغفال مخاوف الرافضين من المواطنين العاديين، ممن تفاعلوا، أو صدقوا ما راج عن هذا الموضوع، وهى فى ظنى مخاوف مشروعة، وما تحويه من تصورات لديهم، ساهم فى تزكية المخاوف، لعل أهمها أن يلعب المتربصون على ورقة الأقليات العرقية، مما يؤثر مستقبلاً على السلام الاجتماعى، باعتباره أحد أهم مفردات الأمن القومى.
أما القانون بذاته وفق ما خرج من تصريحات فردية، فيتعلق بأمور عدة، لكنه لم يتطرق لموضوع منح الجنسية للاجئين، باعتبار أن القانون المصرى، حدد قبل ذلك شروط وآليات منح الجنسية.
ومن خلال متابعتى للجدل الدائر، توقفت أمام شرح القانون من الناحية الرسمية والسياسية والاجتماعية والقانونية، وتبين أن النسخ المنتشرة من القانون، والتى جرى ترويجها على نطاق واسع، مزورة أو على الأقل ليست دقيقة، وبالتالى هى من صُنع فوضى الإنترنت، وهذا يبين جانبًا من جوانب أزماتنا المعرفية، جراء أخطاء رسمية منراكمة، وهذا كاف بأن يجعلنا نتجاوز الحقيقة قبل أن نستوعبها، ونعطى فى كثير من القضايا أحكامًا قاطعة دون علم بتفاصيلها.
القراءة الدقيقة للقانون وما أحاط به من جدل، تشير إلى أن الدولة لن تطرد اللاجئين، مثلما يريد الكمايتة، ولن تفتح باب اللجوء «سداح مداح» أو تمنح الجنسية دون ضوابط، مثلما تريد الجماعات، وأن التشريع الذى يُصاغ حالياً تحت قبة البرلمان وفى دوائر الحكم، سيراعى أشياء كثيرة مهمة، ولا يمكن لأى سلطة أن تتهاون فيها لأى سبب، منها.
المصلحة العليا للدولة بكل مكوناتها، أمن المجتمع، والثقافة والهوية الوطنية، إلى جانب علاقتنا مع دول الجوار على مستوى الحكومات والشعوب، خصوصا الدول التى جاء منها اللاجئين نتيجة للظروف الداخلية.
هناك جوانب أخرى مهمة، من المؤكد أنها حاكمة ولا يمكن تجاوزها، منها التزام مصر الصارم بالاتفاقيات الدولية الخاصة بتنظيم الهجرات واللجوء السياسى، وعدم الانقلاب على تلك الاتفاقيات، كونها تمثل المصلحة الوطنية من ناحية، وحرص الدولة على المصريين بالخارج وفقًا لتلك الاتفاقيات التى وقعت عليها مصر والتزمت بتنفيذها.
وبعيداً عن الجدل المشتعل حول القانون، من حيث المبدأ، هناك ضرورة لتنظيم تواجد الأجانب على أرض البلاد، وذلك لحماية المجتمع من ناحية، ولتمكين مؤسسات الدولة من التعرف على خلفيات المتواجدين وأسباب إقامتهم عما إذا كانت للسياحة أو العمل أو الاستثمار، فلكل فئة من تلك الفئات، توجد ضوابط قانونية لتواجدهم بصورة سليمة وقانونية، مثل بقية بلدان العالم، وبالتالى فإن الأعداد الكبيرة التى توافدت إلى مصر فى العقد الأخير، نتيجة للأحداث السياسية والحروب الداخلية، يجب أن تكون هناك تشريعات تحفظ للدولة هيبتها وتحقق من خلالها، المواثيق الدولية، فضلاً عن حصر أعدادهم الحقيقية، وإعداد ملفات عنهم تتضمن بياناتهم وأسباب لجوئهم، لتقنين أوضاعهم، حتى لا تتحول الأمور إلى فوضى، يصعب السيطرة عليها.
القانون حسبما تسرب عنه من معلومات ونقاشات، أوجد آلية قانونية للتعامل مع هذا الملف، وما يحويه من مشكلات قانونية، وهذا هو الفرق فى أوضاع هؤلاء قبل وبعده، أما الآلية فهى إيجاد أو تشكيل لجنة دائمة مختصة بأوضاع اللاجئين، مهمتها حصر الأعداد ودراسة أوضاعهم القانونية، للتأكد من كون المقيم على أرض الدولة لاجئ من عدمه، والموافقة على قبول طلب اللجوء بالأساس من عدمه، ولتوضيح ما يتعلق بتلك الجزئية، أن كل الموجودين من مختلف الجنسيات سوف يقدمون إلى اللجنة بطلبات للحصول على حق اللجوء وهى وحدها دون غيرها طبقًا للقانون الذى تدور المناقشات حوله فى البرلمان، ستدرس الطلبات، وتبحث أحقيته من عدمه وفق الضوابط والشروط الحاكمة وأهمها المصلحة العليا للدولة،ثم تفصل فى الأمر بالقبول أو الرفض، وهذا يعنى بصريح العبارة أن القانون منح اللجنة المستحدثة حق الرفض والقبول.
بعد إقرار القانون وإنشاء اللجنة المختصة سيكون هناك إلزام لكافة المتواجدين على الأراضى المصرية من كل الجنسيات بتقديم طلبات إلى اللجنة، تتضمن مبررات اللجوء على أن تكون تلك المبررات موثقة بشكل رسمى، فعلى سبيل المثال، إذا وجدت اللجنة أن طالب اللجوء استخدم جواز سفره فى التنقل إلى بلده، ويوجد ما يدل على ذلك، سيتم رفض طلبه، وإذا كان من مناطق بعيدة عن الصراعات والتهجير، سيتم أيضاً عدم قبول إقامته فى مصر كلاجئ، وذلك باعتبار أن حق اللجوء تحكمه اشتراطات تحددها الدولة، وليست خضوعاً للبوربجندا أو البيانات الصادرة عن المنظمات المشبوهة، التى تصرخ ليل نهار عن الحقوق والحريات، وهى ذات المنظمات التى لا تحرك ساكناّ أمام مجازر الصهاينة ضد المدنيين العزل فى قطاع غزة.
وعندما تبدأ اللجنة فى مباشرة أعمالها، ستتمكن الأجهزة المختصة من توقيف اى شخص فى إطار قانونى، لتسأله عن صفته وأسباب وجوده، عما إذا كان سائحا أو لاجئا أو مستثمرا فعليه إثبات ذلك، فإذا كان لاجئا عليه إبراز بطاقته الصادرة من اللجنة المختصة، وإذا كان غير ذلك يتم ترحيله إلى خارج البلاد.
القانون لم يمنح حق اللجوء ببساطة، أو أن هذا الحق سيكون أزليًا لا يسقط، إنما وضع شروطاً أخرى، بحسب ما جرى تداوله عبر نواب داخل المجلس التشريعى، أن هناك حالات تسقط طلب اللجوء، منها ارتكاب طالب اللجوء جريمة جسيمة فى بلده قبل دخوله أراضى الدولة المصرية، أو أى أعمال مخالفة لمبادئ وأهداف الأمم المتحدة، وكذلك إذا توافرت أسباباً جدية لرفض طلبه مثل ارتكابه جريمة ضد الإنسانية أو السلام أو جرائم حرب، أو أعمالاً من شأنها المساس بالنظام العام أو الأمن القومى، أو إذا كان مدرجاً على قوائم الإرهابيين أو الكيانات الإرهابية داخل جمهورية مصر العربية.
جميع هذه الحالات تؤدى إلى رفض طلب اللجوء، وفى هذه الحالة يتم ابعاده خارج البلاد، حيث تطلب اللجنة من الوزارة المختصة ذلك.
أما إذا اكتسب صفة لاجئ وفق وضعه هل تسقط عنه صفة اللجوء؟
نعم تسقط عنه الصفة، وليس هذا فقط، بل يتم حبسه أو ترحيله إذا كان حصوله على صفة اللاجئ بناء على احتيال أو غش أو تدوين بيانات خاطئة أو أنه أغفل معلومات أساسية، أو أنه شارك فى أى عمل حزبى أو سياسى، أو المشاركة أو التأسيس فى أى أحزاب فى جمهورية مصر العربية، أو فى حالة ارتكابه أى أعمال من شأنها المساس بالنظام العام أو الأمن القومى أو أنه ارتكب أفعالاً تتعارض مع مبادئ وأهداف الأمم المتحدة أو مع اهداف جامعة الدول العربية أو أهداف الاتحاد الأفريقى، أو عمل يتعارض مع أى منظمة تكون جمهورية مصر العربية طرفًا فيها.
كما تضمنت العقوبات ٌبعاده وإسقاط الصفة عنه فى حالة ارتكابه أى أعمال عدائية ضد دولته الأصلية، أو ممارسة أساليب عدائية ضد أى دولة أخرى، كما تنتهى الصفة التى حصل عليها عند انتفاء الأسباب التى حصل بموجبها على صفة لاجئ، مثل انتهاء الصراعات والحروب فى بلده، واستقرار الأوضاع فيها.
وفى النهاية.. أود القول، أن ما خرج من معلومات حول التشريع الجديد، لا يمت بصلة من قريب أو بعيد بمنح اللاجئين الجنسية المصرية، أما التكهنات المتعلقة بأمور تخص الأحداث الملتهبة على الحدود، وما صاحبها من أقاويل عن التهجير والجنسية، فهى أمور بعيدة تماماً عن القانون حسب فهمى، إلى جانب تأكيد الدولة فى أكثر من مناسبة على الرفض التام لمثل هذه الأطروحات، لكن تبقى جزئية مهمة، وهى إشراك المجتمع فى مثل هذه الأمور، حتى لا تتسع الفجوة بين المواطن والحكومة.