جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2024-02-26T12:53:39+02:00

هل تمنع مليارات صفقة رأس الحكمة انفلات الأسعار؟

سيد سعيد

 

لا حديث فى مصر، الآن، من شمالها إلى جنوبها، يعلو على حديث صفقة «رأس الحكمة» بين مصر ودولة الإمارات العربية، وجميع تلك الأحاديث مرتبطة بترقب انفراجة تقود لتحسين الأحوال المعيشية، التى انهارت جراء انفلات الأسعار وتوحش التجار والمنتجين بزعم ارتفاع سعر الدولار فى السوق السوداء، وبرغم عدم تدفق المبالغ الاستثمارية الضخمة، شهدت الأسواق انخفاضا لسعر الدولار، ومع ذلك لم تتأثر الأسواق بهذا الانخفاض، فهل تستمر مهزلة ربط أسعار السلع بالسعر الوهمى للدولار؟ المبالغ المتوقع ضخها خلال الشهرين القادمين تبلغ 35 مليار دولار، وحجم استثمارات خلال مدة إنشاء المشروعات تبلغ 150 مليار دولار، وفق ما صرح به الدكتور مصطفى مدبولى رئيس الوزراء، ففور الاعلان عن توقيع عقد الصفقة نهاية الأسبوع الماضى، وتباينت تطلعات المواطنين حسب احتياجات كل شريحة من الشرائح المجتمعية التى تتفاوت أحوالها المعيشية، ففى خضم الحديث عن الصفقة وتأثيرها المباشر على سعر الدولار فى السوق السوداء، لا يمكن إنكار أن اتفاقاً ضمنياً بين جميع الأطياف، يشير إلى ترقب الحد من جنون الأسعار وارتفاعها بنسب تراوحت للضعف مؤخراً، مقارنة بفترات وجيزة سابقة.

ومع ذلك فإن كل هذه الأحاديث المصحوبة بالترقب، لا تمنع نزيف المخاوف من زيادات جديدة تدهس غالبية شرائح المجتمع تحت عجلات الفقر، ويعزز من مصداقيتها الأحاديث المتكررة عن السعى صوب خفض جديد لقيمة الجنيه مقابل الدولار.

ومع حالة عدم استقرار الأسعار، التى ترتفع بدون مبرر على مدار الساعة، أصبح الناس يتساءلون فى أروقة العمل وفى المنازل والمقاهى والشوارع وفى وسائل المواصلات والأسواق.. «لماذا ترتفع الأسعار بهذا الجنون؟ ومتى تتوقف وتيرتها المتسارعة؟ وهل ضخ مليارات الدولارات فى شرايين الاقتصاد سيحد من طغيان الأسعار؟

ولم يعد سراً، إزاء غضب المواطنين واستهجانهم وتساؤلاتهم التى لا تتوقف، تأتى ردود بعض المسئولين فى الحكومة، بإيجاد مبرر للنأى بنفسها عن المسئولية وأرجعتها «لضعف الجنيه» وأسباب خارجية.

ومن دون لف أو دوران هناك حزمة من الحقائق، الجميع يعلم أن القضية الأهم بالنسبة للمواطن البسيط، هى المتعلقة باحتياجاته الضرورية، ولا يؤرقه سوى جنون أسعار السلع، سواء ارتبطت بالدولار أو لم ترتبط، وهى شكوى من غالبية الشرائح المجتمعية سواء الفقير أو الغنى، الغالبية تعانى من عدم القدرة على مسايرة موجات الغلاء المندفعة فى ظل غياب غير مبرر، للجهات الرقابية المسئولة عن ضبط السوق ومواجهة جشع المتربحين من الأزمات، حتى لا يصبح المواطن فريسة أو لقمة سائغة، فما تعلنه المنظمات الرسمية مثل «الغرف التجارية» عن الأسعار لا يمت للواقع بصلة، فالجميع «شعب وحكومة وإعلام ومنظمات رسمية» يعرفون حقيقة الواقع بكل مفرداته وتفاصيله وما يحويه من مخاوف مشروعة من تغول الأسعار التى لا يحكمها ضابط أو رابط، الكل يعانى، والكل يعرف أن الأوضاع المعيشية تغيرت إلى النقيض «الأسوأ»، والالتزامات الحياتية الضرورية، أصبحت بعيدة المنال، فالغذاء والدواء أصبحا من الرفاهية، والزيادات التى تطالهما لا يستوعبها العقل، كل هذا يجعل المواطن البسيط غير قادر على تلبية تلك المتطلبات، ولا أبالغ إذا قلت إن هذا شأن الكثيرين، ممن يدفعون ثمن المضاربات الوهمية لأسعار العملات الأجنبية، رغم أن وجود العملات أو شحها لا يشغل بال البسطاء.

وهناك من يستهين بالأمر ويؤكد على وجود السلع وتوافرها فى الأسواق، وان شكاوى الناس ليست فى محلها، رغم دراية من يروجون لهذا القول، أن توافرها لا يعنى أنها متاحة للمواطن البسيط، لذا فإنها فى واقع الأمر، ليست متاحة أو موجودة بالمعنى الدارج، لعدم توافر القدرة الشرائية.

إن ما يجرى من ممارسات احتكارية، يؤكد أن الجميع شركاء فى كل ما يجرى، وأن عبء الخروج من هذه الأزمة، يقع على الجميع لضبط السوق ومواجهة المحتكرين ومافيا اخفاء السلع، فهذه قضية تخص الجميع، الحكومة والمواطن، فالاعتراف من الجميع بالمسئولية، قطعاً سيقودنا لليحد من سطوة المحتكرين والمتربحين على حساب الوطن وقوت المواطن المطحون حتى النخاع.

كما لم يعد سراً أن منصات السوشيال ميديا صارت أهم وسائل التعبير عن الغضب من جنون الأسعار إما بشكل ساخر كعادة المصريين، أو بصورة تعبر عن الامتعاض وعدم الرضا بما يحدث من انفلات فى الأسواق، حيث تصدر وسْم الأسعار منصات التواصل، وذلك عقب سلسلة القرارات التى اتخذتها الحكومة بزيادة أسعار وسائل النقل والاتصالات والكهرباء والبضائع والسلع، وكذلك رسوم بعض الخدمات.

حيث قفزت أسعار تذاكر القطارات ومترو الانفاق بنسب تصل إلى 30%، بينما زادت أسعار باقات الإنترنت والاتصالات كافة ما بين 15% و33%، وارتفعت أسعار الكهرباء بنسب تصل إلى 20% للشرائح المتوسطة والفقيرة فأصبحت الزيادات لا تخضع لأى معيار،، كما تضاعفت رسوم تسجيل السيارات ورسوم نقل الملكية بنسب تجاوزت 200%، وفى المقابل زادت أسعار مواد البناء «الحديد والأسمنت والأخشاب والسلع الاستهلاكية والغذائية بنسب تفوق قدرة الغالبية على التعايش معها.

ويقيناً، أصبح المواطنون فى حيرة، وتذمرهم بلغ مدى لا ينكره أحد فارتفاع الاسعار مستمر، والزيادة لا تتوقف، ولا أحد فى بر مصر يستطيع أن يضع جدولاً لمصروفاته اليومية وليس على مدار الشهر، فما كان يكفى أسرة من المال لمدة أسبوع, أصبح لا يكفى نصف الأسبوع فى أحسن الحالات، والأجور لا تتغير، فضلاً عن أن الزيادات المرتقبة لمواجهة التضخم، لا يمكن لها أن تؤثر بإيجابية فى تحسين الأحوال المعيشية.

وتؤكد الحكومة أولوياتها بزيادة الأجور والمعاشات ورفع حد الإعفاء الضريبى، للإسهام فى احتواء أكبر قدر ممكن من تبعات الموجة التضخمية غير المسبوقة، التى تأثرت بتداعيات جائحة كورونا، وما أعقبها من توترات سياسية سواء إقليميا أو عالميا.

 إن هذه الزيادات كانت متوقعة، والجميع يعلم أن هناك ارتفاعات فى الأسعار سوف يتم تطبيقها، ولكن متى سيحدث ذلك؟ وكم هى الزيادة، لا أحد يعلم، ومطلوب من المواطنيين على المستويات كافة، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، أن يتكيفوا مع كل العبث الذى يحدث فى الأسواق، ومطلوب منهم أن يتعايشوا مع الزيادات المستمرة بدون ضابط أو رابط، فما يحدث الآن لم يكن المرة الأولى ولن يكون المرة الأخيرة.

الواقع يقول إن المشكلة لا تكمن فقط فى زيادة الأسعار، إنما فى توافر السلع فى الأسواق، بما يعنى، وهذا حقيقى» أن الكميات المعروضة بوفرة، تتنافى بالأساس مع قاعدة العرض والطلب التى تحكم التجارة فى العالم كله، ولا ينكر أحد أن الدولة حريصة كل الحرص على توافر السلع والاحتياجات الضرورية، لأن أى نقص، سوف يؤدى بالتبعية إلى انفلات كبير فى الأسعار، لا يتحمله أحد، لكن فى المقابل، وهذه حقيقة أخرى، لا يوجد أى دور للحكومة، يجعل المواطن فى حالة من التناغم مع سياساتها، والحديث هنا يتعلق بغياب الرقابة، وعدم القدرة على منع فوضى الأسعار، لأنه لا أحد بمقدوره وقف جنون الأسعار، الحكومة من جانبها تقول إنها تحاول تخفيف الأضرار، وأنها تحملت كثيرا، والمواطن بين شقى رحى، ولا يجد من يطمأنه.

طالعت مثل كثيرون غيرى الصور وبعض الفيديوهات المتداولة، والتعليقات التى تراوحت ما بين سخرية لاذعة، وانتقادات جادة، جميعها يعبر عن غضب المواطنين أمام شوادر «أهلاً رمضان «، ولا أنكر أننى، واعتقد كثيرون غيرى، تخوفنا من اتساع الغضب والخوف من المجهول، جراء الفشل فى الحصول على سلع كانت متاحة بدون شوادر،  وبأسعار مقبولة وتتماشى مع الدخول المتدنية، ومن الطبيعى أن تمتد المخاوف من التداعيات، ما لم تجد الحكومة حلولاً عاجلة وصارمة، للسيطرة على انفلات الأسعار وضبط الأسواق، عبر أدواتها الرقابية والقانونية.

 لم يتوقف جنون الأسعار المخيف وغير المبرر عن الانفلات والتوحش فى الكثير من السلع مثل السكر والأرز والذهب، مرورًا بالاحتياجات الضرورية لحياة المصريين من الخضروات والفاكهة واللحوم وزيوت الطعام بأنواعها ومنتجات الألبان، و.. و..الخ، حيث تشهد الأسواق على اتساع خريطة الوطن من جنوبه لشماله، موجة عنيفة من ارتفاعات الأسعار التى لا تخضع لأى معيار قانونى أو أخلاقى، حتى بات كل شىء مباح، وبدت الأزمة واضحة خلال الأسبوع الأخير، حيث ارتفعت أسعار بعض السلع بصورة مفاجئة تقترب من نسبة 100% على الرغم من عدم وجود أى مبرر منطقى سوى القول أنها أزمة «شح الدولار «.

 

وعلى الرغم من أن المؤسسات الحكومية طرحت أكثر من مبادرة لتوفير المتطلبات الضرورية، إلى جانب الإقدام على اتخاذ عدد من القرارات الهادفة ضبط السوق وتجريم المتلاعبين،إلا أن ذلك لم يساهم من بعيد أو قريب فى حل الأزمة، ولو بصورة بطيئة.

وما بين أكثر من مبادرة وسلسلة من القرارات، يقف المواطن فى انتظار معجزة، تجعله قادر على مسايرة العشوائية، فالحكومة ذاتها أرهقته بقرارات مفاجئة، وجد فيها المتلاعبون ضالتهم، لتمرير مبرراتهم، فى قامت بتحريك أسعار تذاكر المترو والكهرباء وخدمات الإنترنت منذ بداية العام الجارى، وهذه الإجراءات أعادت السوق إلى المربع «صفر».

حيث تشير التوقعات إلى استمرار ارتفاع الأسعار سواء فى ظل شح العملة الصعبة «الدولار»، أو فى ظل تراجع سعر الدولار، أما السبب فهو قيام عدد من كبار التجار بالسيطرة على بعض السلع وتخزينها، إلى جانب أن الجميع يعلم أن الأزمات المتعلقة بالسلع فى مصر مرتبطة بشكل مباشر باستمرار توسع ظاهرة الاحتكار، وعدم وجود رقابة فاعلة على السوق، ما تسبب فى شح الكثير من السلع الأساسية بهدف تخزينها لتعطيش السوق، والغريب أن كل هذا يحدث بالرغم من ارتفاع أسعارها بنسب خيالية.

 إن الأزمة ليس لها علاقة بما تشهده سوق الصرف أو الارتفاع الكبير فى سعر صرف الدولار، وإن كان لها علاقة غير مباشرة، لكنها لا تتسبب فى رفع أسعار السكر بهذه النسب، ولكن الأزمة الحقيقية فى قيام عدد كبير من كبار التجار بتخزين كميات ضخمة من السلع لتعطيش السوق وبيعها بأسعار تقترب من ضعف السعر الرسمى، وهو ما يتطلب وجود رقابة قوية على السوق.

 أن عدم قدرة الحكومة فى الرقابة والتفاعل مع السوق أحد أهم أسباب ارتفاعات الأسعار، حيث لم تتمكن الحكومة من القضاء على سيطرة بعض التجار والمتلاعبين بأسعار عدد هائل من السلع الأساسية والاستراتيجية، ما تسبب فى موجات متتابعة من الزيادات فى جميع أسعار السلع، لذا يصبح هناك ضرورة ملحة لتفعيل الرقابة الإيجابية على الأسواق، للحد من الزيادات العشوائية فى الأسعار، خاصة إن السوق المحلية لن تشهد أى تراجع فى الأسعار قبل إحكام الرقابة والقضاء على التسعير العشوائى، والزيادات غير المنطقية التى يفرضها كبار التجار والمصنعين على السلع والمنتجات.

واقع الحال يؤكد بما لا يدع مجالاً لأى شك، أن الأسواق لم تعد تشهد أى نوع من أنواع الرقابة أو فرض الانضباط، ما عزز من وجود أكثر من سعر للمنتج الواحد، حيث يمكن لأى أحد أن يكتشف هذه الحقيقة، ففى الشارع الواحد تجد أكثر من سعر لنفس السلعة، والمبررات كثيرة، أن التجار الكبار يبيعون لتجار التجژئة بأسعار لا تتفق مع السعر الحقيقى.

وفى ظل هذه العشوائية لا يمكن الحديث عن أى تراجع فى الأسعار، بل على العكس، سوف تشهد السوق المزيد من الارتفاعات خلال الفترة المقبلة رغم التفاؤل من اقتراب ضخ مليارات الدولارات، خاصة إذا علمنا بوجود شماعة جاهزة، يعلق عليها بعض التجار والمنتجين مبررات جشعهم، وعدم توريد المنتجات للمنافذ، بزعم ارتفاع تكلفة الإنتاج، وتوقف بعض المصانع، ناهيك عن أسباب أخرى وهى سحب المنتجات من خلال المستهلكين، بغرض تخزينها، ولنا فيما يحدث بسوق الأجهزة الكهربائية مثال حى، حيث شهدت زيادات مرعبة خلال الأيام الماضية، أما السبب فهو أن الشركات تقوم بتسعير الدولار بطريقة غير طبيعية وتفوق الأسعار الوهمية المتداولة فى السوق السوداء، وبعض الشركات المنتجة قلصت عدد ساعات العمل فى المصانع، والتجار من جانبهم يستغلون حالة الانفلات لصالحهم ويرفعون الأسعار بصورة عشوائية.

الواقع بكل ما يحمله من عبث فى الأسواق، يفضح الأساليب الاحتكارية التى يمارسها المتربحون من الأزمات، والتى طالت سلع لا تخضع بالأساس لأى أساليب احتكارية، لأنها منتجات حية، منها على سبيل المثال لا الحصر اللحوم الحمراء والأسماك، فضلاً عن صناعة الدواجن، لكن مبررات التجار وأصحاب المزارع، لنفى فكرة الاحتكار، تبدو غير مقنعة، حيث يدور مضمونها فى فلك الإفلات من توجيه سهام الاتهامات بالتلاعب، بالقول إن مدخلات الإنتاج مثل الأعلاف ومنها «فول الصويا والذرة» شهدت ارتفاعاً بنسبة تصل لـ 35%، وهذه المبررات التى يسوقونها لإشعار المستهلك بأن الأمر خطير جداّ، وأن الصناعة مهددة.

الحقيقة المرة التى يبوح بها أهل الاختصاص بعيداً عن ضجيج الإعلام وبعيداً عن «صخب «منصات التواصل الاجتماعى، مفادها أن ارتفاع الأسعار سببه الرئيسى ليس عالميا، ولكن لأسباب داخلية ترجع إلى تقلبات سعر الصرف فى السوق السوداء، والذى يصل لنسب خيالية مقارنة بسعر الصرف الرسمى المتداول فى البنوك.


مقالات مشتركة