جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2023-09-18T18:44:37+02:00

فى الانتخابات الرئاسية.. الحق الدستورى وحده لا يكفى

سيد سعيد

 

الانتخابات الرئاسية فى أى دولة من دول العالم، تحظى بترقب واهتمام من الدوائر الإعلامية، محليـًا وعالميـًا، وهذا ينطبق على الحالة المصرية، ليس لمجرد أنها انتخابات، إنما لكون مصر دولة محورية، لها تأثيرها على المستويين الإقليمى والدولى، ومن هذه الزاوية تحديدًا تكمن أهمية توجيه الأنظار إليها، والى أسماء المرشحين على مقعد الرئاسة للدولة الأهم فى المنطقة، فالترقب الدولى من الأمور المتعارف عليها، فكل دولة ترغب فى معرفة التفاصيل الدقيقة حول الرئيس المحتمل، لذا فإن أسماء المرشحين لابد وأن تكون لائقة بالمنصب الأرفع.

لذا لم يكن غريبـًا  أن تحتل الانتخابات المقبلة التى لم يتم الإعلان عن موعدها الرسمى، وجدول إجراءاتها مساحة هائلة من الصخب. وفى الحقيقة _ كما أرى _ صخب أجوف، وضجيج لا يفرز رؤية أو يقدم مشروعـًا يمكن الالتفاف حوله، فقط، تشتيت الأذهان بهدف توجيه الرأى العام، ليس لصالح مرشح أو مرشح آخر، إنما لتشويه صورة الدولة والتحريض ضدها، نعم.. الصخب والضجيج من سمات أى انتخابات رئاسية تجرى فى أى بقعة فى العالم، لكنه يليق بمعارك سياسية بين تيارات فكرية وأحزاب وشخصيات قادرة على المنافسة وإثارة الجدل، وأسمائهم متداولة فى الحياة السياسية ومعلومة لدى الدوائر الاعلامية، بل وبمجرد طرحها، يعطى مؤشرا  بمنافسة حقيقية.

ولكن ما نراه الآن ليس سوى عبث، فالانتخابات الرئاسية ليست الإعلان عن النية، وإحاطتها قبل أن تبدأ بالتشكيك، إنما ببرامج  وأفكار ومشاريع وليس صراخا وشائعات، مثل تلك التى تنطلق من  منصة «تويتر» للتحريض  وهذه أمور هزلية، لا ترقى لمستوى الجدية، لكون ما يحدث خارج سياق المنطق.

أنا هنا لن أتطرق لأسماء فهم على الأقل بالنسبة لى كمرشحين محتملين يمثلون شيئا إيجابيا، وأرى أنه يضيف للانتخابات زخماً وحيوية، فضلاً عن أنه يضع طوبة فى البناء الديمقراطى، لكن إلى الآن لم يظهر من يمثل إضافة أو قيمة ملموسة.

وفى هذا السياق، أكرر ما قلته مرات ومرات، بأن الترشح على طريقة «كيد النسا» من دون مقومات شخصية، أو تاريخ معلوم، فهذا قمة الفوضى وتسفيه لمقام الرئاسة.

ولو نظرنا بموضوعية إلى الترويج العبثى، الذى يخرج فى صورة بيانات وتصريحات،  تدور فى فلك رفض ترشح الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذى لم يعلن ترشحه، فهذا يؤكد بما لا يدع مجالًا لأى شك، بعدم القدرة على المنافسة الحقيقية، لأنهم يريدون، إما إشهار سيوفهم فى ساحة خالية بلا منافسين، أو التشكيك فى الانتخابات قبل البدء.

الواقع بكل ما يحويه من ضجيج، يؤكد حزمة من الحقائق المهمة، التى لا يمكن إغفالها، مفادها أن بعض، أكرر، بعض، الذين أعلنوا عن نيتهم الترشح، فقط، أعلنوا  التبكير بموجة الصخب، وفتح الباب أمام توسيع دائرة التشكيك والتكهنات، ولا توجد أى دلائل على الجدية فى الاستمرار من عدمه، لأن أى مرشح محتمل يعلم  تمام العلم، أن الدستور هو من يحدد شروط الترشح، ومن يرى نفسه مستوفيًا لهذه الشروط، فمن حقه الترشح، وفى النهاية يعود القرار  إلى اللجنة المُشرفة، هى وحدها التى تحدد من يصلح، ومن لا يصلح، من استوفى الشروط ومن لم يستوف، وليس من حق أحد سواء كان مرشحًا أو غير مرشح، أن يشترط من يدخل السباق ومن يخرج، لذا فإن كل ما يحدث لا يزال فى طور إعلان النية، ليس إلا.

ولأن العملية الانتخابية معقدة بالأساس، وهناك صعوبات فى استيفاء شروطها، باستثناء مرشحى الأحزاب  فهؤلاء لهم الحظ الأوفر، لأنهم ليسوا بحاجة إلى جمع التوكيلات، طالما لديهم مقاعد فى البرلمان، تفى بالغرض، ومع ذلك يظل الأمر رهن عوامل قضائية وقانونية أخرى.

ومن المهم إن كانت هناك جدية لترسيخ المفاهيم الديمقراطية، أن يبدأ كل مرشح مُحتمل، يجد فى نفسه القدرة على إدارة الدولة، ويليق بتبوء مقعد الرئاسة، ببدء الإعلان عن برنامجه الانتخابى، أولاً لتحسين شعبيته، من خلال طرح البرنامج فى المناظرات أو المؤتمرات الشعبية أو الندوات، وثانيًا ليتمكن من توجيه مؤيديه لحشد الأنصار.

 القراءة الدقيقة للواقع تشير إلى أن الأمر برمته، فى استمرار البعض من عدمه، مرهون باللجنة العليا للانتخابات، فهى المسئولة عن الإشراف على تفاصيل العملية الانتخابية وكل الأمور الخاصة بموعد فتح باب الترشح، وموعد إغلاقه، وإصدار الشروط الخاصة الواجب توافرها فى المرشحين، ومراجعة الأوراق الخاصة بهم، وإصدار قائمة بالقبول أو الرفض، والإعلان عن فترة لقبول الطعون المتعلقة بالانتخابات، فضلا عن الإعلان عن موعد التصويت واللجان، ومن ثم خوض جولة أخرى والإعادة إذا تطلب الأمر، كما أن الإجراءات الخاصة بالانتخابات الرئاسية تشير الى انعقادها قبل 120 يومًا على الأقل من نهاية مدة الرئاسة الحالية بحسب الدستور ، ومن المحتمل فتح باب الترشح يوم 3 ديسمبر  كحد أقصى، ولا يجوز بعدها.

ولكن فى سياق الحديث ذاته، فإن كل ما نراه وما نسمعه، يحفز على فتح الباب أمام كثير من الاجتهادات والمتطلبات والضرورات، التى لا بد أن تتوافر فى مراحل العملية الانتخابية منذ الإعلان عن البدء فى إجراءاتها، والتزام الراغبين فى الترشح بالمسئولية الوطنية، تجاه بلدهم، المستهدف من كل اتجاه، وعلى الجميع إدراك تلك المسئولية، لأسباب عدة لا يمكن إغفالها بحال من الأحوال، لما لها من تأثير على المستويين الداخلى والخارجى، أما السبب فهو معلوم  ويدور فى النقاش العفوى بين الأفراد، ومفادها أننا لا يمكن أن نكون بمعزل عن العالم الخارجى، والتركيبة الشخصية، للرئيس، تمثل أحد أهم عناصر نجاح أو فشل العلاقات الدولية، لأن قدرة القيادة، هى التى تحدد موقعك ونفوذك  كدولة  على خريطة المصالح رغم تعقيداتها  خاصة أن العالم يمر فى الوقت الحالى، بظروف استثنائية، نتج عنها مرحلة مخاض وتغيير كبير للغاية، ما بين نظام عالمى قادم متعدد الأقطاب، يحاول تثبيت أقدامه ورسم خارطته، ونظام عالمى لازال قائمًا، ولا يستطيع أن يلملم أوراقه، أو يحاول الخروج بأقل الخسائر الممكنة، لكنه يرقب، ويلعب فى الخفاء، بل ويستخدم أوراقًا على المائدة، ويحتفظ بأوراق أخرى لوقتها، بما يعنى أن المشهد الدولى فى اللحظة الراهنة يحتاج لقادة لديهم مهارات خاصة، ومدعومين بشعبية تمنحهم مزيدًا من  الثقة فى قراراتهم، وليس خطباء على منابر الميديا، يتبارون فى التنظير والتقعير وتقديم الوعود البراقة،  دون دراية بجذور المشكلات.

 

ولا يفوتنا ونحن نتحدث عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، أن نلقى الضوء على مدى أهميتها فى التوقيت الحالى، فهناك مستجدات عديدة باتت  تحكم مسارات العلاقات الدولية، وجميعها مشحونة بالمصالح، وبالطبع سيكون لها تأثير كبير على تموضع الدول، وتحديد مكانتها داخل خريطة النظام العالمى الجديد، الذى لم تتحدد معالمه بصورة نهائية، فقط تم الإعلان عن كيانات اقتصادية سيكون لها بالطبع تأثيرات فى التنمية الاقتصادية مستقبلاً، وهنا أعنى البريكس، لكن يجب الأخذ فى الاعتبار، أهمية المقومات الاقتصادية والسياسية والثروات فى حسابات المصالح، لأنها معيار للتأثير فى العلاقات الاقتصادية.

وبالنظر إلى خصوصية الحالة المصرية سنجد أنها تمتلك الكثير من عوامل النهوض الاقتصادى، لما تملكه من موارد بجانب موقعها الجغرافى، الذى يجعلها مقصدًا مهمًا لكبرى شركات الاستثمار  العالمية بهدف توطين الصناعات المهمة، بحيث تصبح مركزًا للتصدير.

 وفى هذه الحقائق تكمن  الأهمية الكبرى للدولة المصرية،  فى خريطة  الصراع الدائر الآن ما بين النظامين القادم والمتراجع، فكل منهما يحاول بشتى الطرق لضم مصر إلى معسكره، أو على الأقل تحييدها، وهذا بدوره يفرض على أى مرشح أن يكون على قدر المسئولية الوطنية فى ظل السباق المحموم بين الدول والكيانات الاقتصادية، ولا ينظر للانتخابات الرئاسية على أنها مجرد حقوق دستورية، واستيفاء أوراق قانونية.

وفى سياق ما تم طرحه من مستجدات خارجية وتعقيدات داخلية، فلابد أن يعى المرشح، أى مرشح،  ضرورة توافر الكثير من المقومات والقدرات، مدعومة بفريق عمله حال بلوغ ما يصبو إليه، وتتبلور تلك المقومات فى امتلاكه الرؤية السياسية والاقتصادية والأمنية للتعامل مع مسئوليات الدولة، بالإعلان عن فريق عمل متخصص من الخبراء السياسيين والاقتصاديين.

ولذا فالمطلوب من المرشح الإعلان عن برنامجه الانتخابى كاملا، وطرح تفاصيل خطة عمل ترتكز على تغيير إيجابى المجالات المتنوعة، خاصة فى التعليم ومحاوره البحثية والفنية، على أن تشمل الرؤية هدفا رئيسيا، هو استرجاع المجد لهوية الشخصية المصرية،  والاهتمام بالجانب الاقتصادى، الذى يحتاج إلى رؤية مغايرة عن تلك التى ترسخت عبر عقود، على أن تستهدف جذب استثمارات فى مجالات التصنيع، خاصة فى الإلكترونيات والحاسبات، ولا يمكن معالجة هذا التوجه إلا عن  طريق رؤية القيادة، ورغبتها فى النهوض، عبر استثمار ما تحقق فعليًا على الأرض من إنجازات فى البنية الأساسية والتوسع فى الأنشطة الزراعية وما تحتاجه الاستثمارات المستقبلية، ناهيك عن البدء الفعلى فى الرقمنة، لذا على من يريد التقدم، الالتزام بتنفيذ الغايات المرجوة فى غضون عامين فقط من بداية مدة الرئاسة القادمة.


مقالات مشتركة