** التنظيم يقوم بتجنيد الشباب لارتكاب الجرائم الإرهابية، ثم يتبرأون منهم على الملأ . ** محاولات المصالحة ليس لها أثر على أرض الواقع لأن المجتمع يرفض التصالح مع كل من خرج عن القانون . ** مبادرة شباب الجماعة داخل السجون بلا قيمة من الناحيتين السياسية والقانونية، لأنهم متهمون فى جرائم ضد الدولة. ** الرسالة المسربة لا تخرج عن مساعى الجماعة لتنفيذ أغراضهم وتحقيق مكاسب إعلامية من نشر المظلومية . ** فى تسعينيات القرن الماضى أعلنت الجماعة الإسلامية المراجعات والتوبة عن التطرف فعادوا أكثر إرهاباً .
بين حين وآخر تنطلق دعوات للمصالحة مع الإخوان، فتثير ضجيجاً على الساحتين السياسية والإعلامية، يتراوح صداه ما بين رافض للفكرة بالأساس ومن دون نقاش، ومؤيد لها بحذر ، وفق تحفظات وضوابط، وسرعان ما يخفت ضجيج الفكرة ويتلاشى صداها، بعد أن يتبين لهذا وذاك، أنها لم تترك أثرا على أرض الواقع، ويتأكد الكافة أن النقاش حولها، عقيم لا ينتج ..... ففى إطار المحاولات الرخيصة التى دأبت الجماعة على إطلاقها بهدف العودة مرة أخرى لممارسة أكاذيبها، تسربت عبر بعض شباب الجماعة المتهمون بارتكاب جرائم إرهابية، رسالة خطية مكونة من خمس ورقات، الرسالة لم تكن موجهة للدولة، لكنها موجهة لقيادات الجماعة داخل السجون والهاربين فى قطر واسطنبول وبعض العواصم الأوروبية، تدعوهم لمراجعة أفكارهم وإيجاد حلول مع الدولة، كما أنها تضمنت تساؤلات عن دور تلك القيادات فى إنهاء أزمة التنظيم ومصير السجناء . هذه الرسالة جديرة بالتوقف أمامها كثيرا، لقراءتها بصورة موضوعية بعيدا عن رفضنا المطلق للجماعة وأفكارها وممارساتها وجرائمها ومؤامرتها التى لم تتوقف للنيل من استقرار البلاد والسعى نحو نشر الفوضى، ناهيك عن محاولات تشويه سمعة الدولة فى المحافل الدولية ووسائل الإعلام المأجورة، بترويج الأكاذيب ضدها، فضلا عن استهداف مؤسساتها الأمنية بالعمليات الإرهابية، مروراً بالشماتة فى شهدائنا ..و ...و..الخ . أما سبب الرغبة فى التوقف أمامها، فيعود إلى جانبين، أرى أن كلاهما مهم ، بل مهما جدا، الأول يعنى أن شباب الجماعة أدرك الحقيقة ، وإن كان الإدراك بها جاء متأخرا، ومفادها أنهم كانوا مجرد أدوات فى تنظيم انتهازى بامتياز، صدقوهم فى وعودهم ، بعد أن أوهموهم بقدرتهم على عقد الصفقات مع الدولة، وأنهم قادرون على التأثير فى السياسة الدولية وتوجيه مساراتها لصالحهم، أما الجانب الآخر فيتعلق بتداعيات الرسالة ذاتها . ردود الفعل حول الرسالة التى أقر بصحتها، وأيدها نحو 1300 من شباب الإخوان داخل السجون، تختلف تماما عن كافة المحاولات السابقة، التى أبدى فيها قيادات الجماعة رغبتهم فى المصالحة مع الدولة، أو المبادرات التى أطلقها بعض المنتمين للنخبة، فهذه المرة كشفت الجماعة عن وجه آخر للقبح، أكثر فجاجة عن القبح المعلوم عنها، لقد باعت الجماعة عناصرها فى سوق النخاسة، البائع هنا ليس قيادة عادية، يمكن أن تتنصل الجماعة من فعله، لكنه الرأس الكبيرة، فهو يأمر ويطاع، وإن كان يحتل موقع نائب المرشد العام، إلا أنه الأهم، بل الأكثر أهمية بالنسبة لهم . دأبت الجماعة على إطلاق المبادرات من خلف الستار، وعندما تجد رفضا، يخرج قياداتها لتكذيب ما صنعوه بأيديهم ويتهمون أجهزة الدولة بفبركة الرسائل والمبادرات، وأغلب الظن أن الرسالة الخطية التى جرى تداولها الأسبوع الماضى، صادرة عن هؤلاء القيادات كالعادة، لكن فور تنامى وتيرة الأصوات الرافضة لها، خرج إبراهيم منير على فضائية الجزيرة، وكان محاوره إخوانى مثله، ويدين له بالولاء والطاعة، ليحاوره فى موضوع الرسالة، هنا لم يتنصل منير من محاولات الجماعة فى المصالحة، كما جرت العادة، وكما يتوقع الكافة منه، لكنه قال : «لسنا نحن من أدخلناهم السجن، ولم تكن الجماعة تجبرهم على أن يكونوا إخوان مسلمين».... نعم لم ينس أن يتهم الأجهزة الأمنية بأنها وراء تلك الرسالة، باعتبار أن اتهام الأجهزة الأمنية جزء أساسى فى الإجابات الجاهزة دائما لديهم . لم يعد مثيرا على الأقل بالنسبة لى أو للمتابعين بدقة لملف الجماعة منذ نشأتها، أن يعلن الرجل الأكثر قوة ونفوذا داخل التنظيم بمكوناته العنقودية فى البلدان العربية والعواصم الأوروبية، بل والأكثر تأثيرا على الجماعات الإرهابية التى خرجت من رحم الإخوان، بتنوع مسمياتها، تنصل تنظيمه من شباب الجماعة، علنا ومن دون خجل، أنا هنا أتحدث عن أكبر رأس فى التنظيم ، إبراهيم منير، الذى قال علنا، ما يقوله كافة القيادات مع بعضهم البعض فى الاجتماعات السرية، أخرج مهندس صفقات الإخوان السياسية والمالية من فمه كل ما أخفوه عبر عشرات العقود، كشف المستور عنهم، وإن كان قبحهم معلوم للكافة، قال ما قاله مؤسس تنظيمهم حسن البنا، بشأن قتلة الخازندار والنقراشى باشا، أنهم ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين، ضحى بهم علنا بعد أن نفذوا مخططاته لاغتيال الخصوم ..... فعلها البنا فصارت دستورا يشكل أدبيات وفكر وعمل قيادات الجماعة، يقومون بتجنيد الشباب والزج بهم لارتكاب الجرائم الإرهابية، ثم المحاكمات والسجون، ثم التبرؤ منهم على الملأ . لقد جاءت تصريحات إبراهيم منير ، بمثابة رسالة فاضحة لنفعية الجماعة وانتهازية قياداتها، فى استخدام أتباعها والمتاجرة بهم لتنفيذ أجندتهم، والدفع بهم صوب ارتكاب الجرائم، لتحقيق مكاسب سياسية، بعد السيطرة على عقولهم عبر سلب إرادتهم، وإغراقهم فى دوامات التبعية والسمع والطاعة والانصياع لإرادة التنظيم، ثم يأتى الرد: لم ندخلهم السجون ولم نجبرهم على الانضمام للجماعة . يقينا، وضع إبراهيم منير قيادات الإخوان الهاربين والمقيمين بالخارج فى حرج لم يكن متوقعا، حرج يجعلهم عاجزين تماما عن الرد وعاجزين عن تكذيب منير، ولو على سبيل الحفاظ على ماء الوجه، لأن ما قاله منير هو الحقيقة بعينها، أى أن ما قاله لم يكن كلمة عابرة، أو أن المتربصين به انتقوا له عبارة من سياق حوار طويل أو أنها ذلة لسان، يمكن التغاضى عنها، وعدم التوقف أمامها، لكنه نطق بالصدق، رغم أنهم جميعا غارقون فى الكذب وهو أولهم ، فقد أنهى منير الحديث» جاب من الآخر»، ووفر على الكافة عناء البحث والتحليل والغوص فى التاريخ المخزى للجماعة، بغرض الوصول إلى هذه النتيجة، القاطعة الحاسمة، التى ظل المنظرون وخبراء التحليل يطوفون حولها منذ سنوات فى محاولة لتأكيدها، بما يعنى أنه قال الخلاصة فى عبارة موجزة . المثير أن الحديث الذى ينطلق عن المصالحة من حين لآخر، ليس له أثر على أرض الواقع لأن القاعدة التى جرى التوافق عليها مجتمعيا، مفادها عدم التصالح مع كل من خرج عن القانون وتورط فى أعمال إجرامية ضد الدولة بكل مكوناتها المجتمعية والمؤسسية، لكن فى المقابل علينا تفهم الأسباب الرامية إلى طرح تلك المبادرات هو موت التنظيم الذى يريد العودة مرة أخرى داخل المجتمع المصرى. كما أن مبادرة شباب الجماعة داخل السجون التى أطلقوها مؤخرا ، تبدو «فى تقديرى» بلا قيمة من الناحيتين السياسية والقانونية، فهؤلاء متهمون فى جرائم ضد الدولة، ولا بد أولا أن ينفذوا الأحكام القضائية الصادرة ضدهم، أما فكرة دمجهم فى المجتمع والحياة السياسية فهى لاحقة لتنفيذ العقوبة، وبعدها يبحث المجتمع بكافة أطيافه الشعبية ومؤسساته الضامنة للاستقرار موضوع المصالحة، وكيفية دمجهم مرة أخرى إذا تمت الموافقة على ذلك ، فضلا عن جانب مهم فى هذه المبادرات، وهو عدم اتساقها مع العقل والمنطق، لأن المصالحة مع الإخوان أو اعتذارهم للدولة، من الممكن أن تقبل إذا حدث خطأ سياسى أو اجتماعى بسبب اختلاف فى وجهات النظر، أو المواقف الأيدلوجية، ولكن لا يمكن أن يتم قبوله فى ارتكاب جرائم إرهابية أضرت بمصالح البلاد وأمنها القومى . أيضا، علينا أن نضع أمام أعيننا تجربة سابقة حول فكرة الاعتذار والمصالحة، وهى التى جرت فى تسعينيات القرن الماضى مع الجماعة الإسلامية الذين أعلنوا التوبة عن التطرف ومراجعة أفكارهم، لكن لم تحدث التوبة التى أعلنوا عنها، فسرعان ما عادوا إلى أفكارهم الظلامية وتبرير الجرائم الإرهابية بفتاوى ما أنزل الله بها، بل تبين أن المراجعات التى استغرقت عدة سنوات وسط اهتمام بالغ، تم طرحها بهدف الخروج من السجون لتقوية تنظيمهم مرة أخرى، فى السياق ذاته يجب علينا أيضا أن لا يغيب عن أذهاننا أساليب الجماعة منذ نشأتها فى المراوغة والأكاذيب لتحقيق أهداف بعيدة عن أجواء الصفقات التى احترفوها على مدار ثمانى عقود كاملة، أى منذ تأسيس التنظيم، كما ترى على اتساع الخريطة الجغرافية للبلاد، لأنهم جماعة إرهابية يعملون ضد الوطن، والرأى العام لديه قناعة أن كل ما يتم طرحه من مبادرات معلنة وغير معلنة ليس سوى محاولة لإعادة الجماعة مرة أخرى بعد انهيارها، خاصة أن التنظيم، أصبح الآن لا يملك شيئا، ليست لديه بنية تنظيمية أو أى قدر من التعاطف الشعبى ، ويمكن التأكيد على حقيقة مرئية للكافة، بأن الجماعة دخلت فى مرحلة الموت، والحديث عن أى مصالحة معهم، سواء الذين فى السجون أو الهاربين، هى مجرد محاولات بائسة للعودة على مسرح الحياة العامة، لأنهم ببساطة شديدة جدا، هم يواجهون الآن أزمة كبيرة جراء الضربات الأمنية، واتساع مساحة الرفض الشعبى لهم، لذا فإنهم يسعون بكافة الأساليب، للملمة ما تبقى، عن طريق تجنيد الشباب داخل السجون، ليعملون فى السر، ومن ثم العودة من جديد بهدف التوغل داخل المجتمع الذى لفظهم ولم يعد قادرا على قبولهم حتى كأفراد عاديين. جانب آخر يجب أن لا يغيب عن أذهاننا، حال التعامل مع المبادرات التى يطلقها قادة الجماعة أو التى تخرج عن شبابهم بإيعاز منهم، يكمن هذا الجانب فى أمور تتجاوز فكرة التعامل العابر مع الحديث عن المراجعات والتوبة وما شابه ذلك، مفاد ما أقصده، أن المنتمين للجماعة بمختلف درجاتهم التنظيمية، يجيدون التعامل مع الإعلام الغربى والمنظمات المشبوهة بصورة احترافية، من حيث اختيار توقيت طرح مبادراتهم ، لترويج المظلومية واستعطاف المجتمع الغربى، للوقوف إلى جانبهم فى الضغط على الدولة المصرية، بهدف عودتهم وفق صفقة من تلك الصفقات التى احترفوها، بما يعنى أن الرسالة المسربة لا تخرج عن مساعى الجماعة لتنفيذ أغراضهم وتحقيق مكاسب إعلامية ، خاصة أن كثيراً من هؤلاء يعيشون فى بلدان أوروبا ويستطيعون إبراز أكذوبة نبذ العنف والتعايش الإيجابى مع المجتمع .