جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الادارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2019-10-09T15:28:56+02:00

فى أزمة سد النهضة.. كل الخيارات مطروحة

سيد سعيد
السيسى يحذر من محاولات فرض الأمر الواقع ويؤكد عدم المساس بحصة مصر
إصرار الجانب الإثيوبى على تخفيض حصة مصر من المياه لا يمكن أن يمر من دون التصدى لها بكل الوسائل
إثيوبيا أعاقت عمداً المسارات الخاصة بإجراء الدراسات المتعلقة بالآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية على دولتى المصب «مصر والسودان»
فى ظِل وجود تقارب الموقفين السودانى والإثيوبى الحكومة تطلب دخول طرف رابع حيادى لتَسهيل عملية التفاوض
أصوات داخل المجتمع ترى حتمية الخيار العسكرى لتدمير سد النهضة إذا لم تحترم إثيوبيا المطالب المصرية


بينما تشهد المنطقة العربية على اتساع خريطتها الجغرافية أحداثا تهدد استقرار معظم بلدانها، من العراق وسوريا إلى الجزيرة العربية واليمن، ومن ليبيا والجزائر إلى السودان، قفزت من جديد على سطح الأحداث فى مصر، أزمة سد النهضة الإثيوبى التى شغلت القاصى والدانى فى بر مصر،حيث احتلت بجدارة صدارة الاهتمام دون سواها من الأحداث الملتهبة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقية، باعتبارها قضية أمن قومى، تمس حياة المصريين ومستقبل أجيالهم القادمة، فهى إن شئنا الدقة فى توصيفها، قضية وجود، إما أن نعيش أو لا نعيش، فنهر النيل بالنسبة للمصريين يمثل لهم الحياة والتاريخ والثقافة والحضارة، فعلى ضفافه تجسدت معانى وحدة هذا الشعب، وتبلورت تقاليده، وترسخت على أرضه أقدم وأعرق حضارة فى التاريخ الإنسانى كله.
وسط تلك الأجواء المشحونة بالتوتر فى المنطقة، وهى أجواء تبتعد عنها الصدفة، ابتعاد السماء عن الأرض، بما يعنى وجود قوى دولية ومصالح معقدة، تهيئ التربة لإشعال الأزمات فى المنطقة بأكملها، أعلنت الحكومة المصرية عبر وزارة الرى والموارد المالية، عن وصول المفاوضات مع إثيوبيا حول السد إلى طريق مسدود، جراء تعنت الحكومة الإثيوبية، ورفضها كافة الأطروحات التى تراعى مصالح مصر المائية، وتتجنب إحداث ضرر جسيم لها.


الإعلان الرسمى الصادر من الحكومة المصرية عن فشل المفاوضات، ليس مجرد تصريحات عادية يمكن التعامل معها مثلما يحدث مع أى خلافات فى وجهات النظر بين العديد من الدول، لكنه إعلان يحمل فى طياته نفاد الصبر، ما جعل الأزمة تفرض نفسها بقوة، خاصة أن الجانب الإثيوبى ضرب بعرض الحائط تعهداته واتفاقاته، التى تم التوصل إليها أثناء زيارة «آبى أحمد» رئيس الوزراء الإثيوبى إلى القاهرة منتصف العام الماضى، وهى الزيارة التى تضمنت تعهدا يقضى بعدم المساس بحصة مصر من المياه، إلا أن الحكومة الإثيوبية تراجعت عن تلك التعهدات، ورفضت المقترحات المصرية الرامية إلى ملء بحيرة سد النهضة فى مدة زمنية سبع سنوات، وليس ثلاث سنوات حسبما يصر الجانب الإثيوبى، الذى يرى أن القرار سيادى بالنسبة لهم ولا يخص سوى إثيوبيا، بما يعنى أن التعنت بلغ مداه، ويعنى أيضاً رفضهم أية أحاديث فيما يتعلق بسنوات ملء السد، هذا الإصرار جاء أثناء اجتماع وزراء الرى فى مصر والسودان وإثيوبيا، الذى انعقد قبل أيام قليلة بالخرطوم، لبحث كيفية التوصل إلى حلول مرضية لكافة أطراف الأزمة.
القراءة الدقيقة لملف المفاوضات التى استمرت ما يزيد على 4 سنوات كاملة، تفيد بأن صبر الدولة المصرية لإيجاد حلول دبلوماسية ربما ينفد أمام الإصرار الإثيوبى، وربما يؤدى إلى أكثر من احتمال، منها اللجوء إلى التحكيم الدولى، وهذا سوف يستغرق وقتاً طويلاً تتمكن فيه إثيوبيا من فرض الأمر الواقع، أى ملء بحيرة السد، بما يؤدى للإضرار بمصالح مصر وانخفاض منسوب المياه خلف السد العالى، وصولا للعطش وبوار الأراضى الزراعية وتعطيل إنتاج الكهرباء، أما الاحتمال الأخير فهو الحل العسكرى، إذا كان احتمال التحكيم غير مجدياً وسيطيل أمد التفاوض بما يحقق رغبة الحكومة الإثيوبية، خاصة إذا علمنا أن إثيوبيا أعاقت خلال 4 سنوات كافة المسارات الخاصة بإجراء الدراسات المتعلقة بالآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية على دولتى المصب «مصر والسودان».
هنا علينا أن نتوقف ونقرأ بروية تصريحات الرئيس عبدالفتاح السيسى، لتصور ما يمكن أن تذهب إليه تداعيات الأزمة، بأن نضع تلك التصريحات فى ميزان التحليل السياسى من منظور الأمن القومى ومن منظور التزام الدولة المصرية باحترام القانون الدولى، والعمل على تجاوز الأزمات بالحلول الدبلوماسية، لكن ماذا قال الرئيس فيما يتعلق بهذه القضية؟ قال: «لن يتم تشغيل سد النهضة بفرض الأمر الواقع، ولابد من الحفاظ على حصة مصر المائية كاملة»، وفى السياق ذاته اتهمت الحكومة الإثيوبية، بأنها استغلت أحداث 2011 للمضى فى إقامة السد الذى سيكون له تأثير كبير على أمن مصر المائى والقومى.
تأكيدات القيادة السياسية فى هذا الشأن، لا تحتاج إلى تفسير فهى واضحة، وتعنى أن كل الخيارات مطروحة، بما يعنى أن إصرار الجانب الإثيوبى على تخفيض حصة مصر من المياه لا يمكن أن يمر من دون التصدى له بكافة الوسائل، باعتبار أن الإضرار بمصالح مصر وأمنها القومى لن يمر، وفى سياق التأكيد على صرامة الموقف المصرى الرسمى المعبر عن الرغبة الشعبية، قال الرئيس: «إنه تابع عن كثب نتائج الإجتماع الثلاثى لوزراء الرى فى مصر والسودان وإثيوبيا» الذى لم ينتج عنه أى تطور إيجابى، كما قال فى تغريدة على تويتر: «أؤكد أن الدولة المصرية بكل مؤسساتها ملتزمة بحماية الحقوق المائية المصرية فى مياه النيل، ومستمرة فى اتخاذ ما يلزم من إجراءات على الصعيد السياسى وفى إطار محددات القانون الدولى لحماية هذه الحقوق».
 فى هذا السياق لا يمكن بحال من الأحوال إغفال، أن أصواتاً داخل المجتمع المصرى ترى حتمية الخيار العسكرى لتدمير سد النهضة، إذا لم تحترم إثيوبيا المطالب المصرية، التى تحتاج بالأساس لزيادة حصتها المائية كى تلائم الزيادة السكانية، خاصة أن مياه النيل بالنسبة للمصريين مسألة حياة أو موت.


التفاصيل المحيطة باجتماعات التفاوض فى العاصمة السودانية الخرطوم، تشير الى أن مصر قدمت اقتراحا يتضمن مناقشة قواعد تشغيل سد النهضة، إلا أن الجانب الإثيوبى أصر على أن يقتصر التفاوض على قواعد التشغيل أثناء ملء الخزان وليس قبله، وهذا الإصرار الإثيوبى يتعارض مع نص اتفاق إعلان المبادئ الموقع فى شهر مارس 2015، كما يتعارض جملة وتفصيلا مع الأعراف والقواعد المتبعة دوليا، فى بناء وإدارة السدود على الأنهار المشتركة، بحسب المتحدث الرسمى لوزارة الرى والموارد المائية، فضلا عن أن المقترحات الإثيوبية جاءت بمثابة ردة عن المبادئ الحاكمة لعملية الملء والتشغيل، دون أن يشمل أى ضمانات تذكر حول وجود حد أدنى من تصريف المياه السنوى والتعامل مع حالات الجفاف فى المستقبل.
الدولة المصرية استخدمت حقها فى تفعيل المادة العاشرة من إعلان المبادئ، التى تقضى بمشاركة طرف رابع كوسيط دولى فى المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا، بهدف التوصل إلى صيغة اتفاق تحفظ حقوق الدول الثلاث، وقد أبدت الولايات المتحدة الأمريكية موافقتها للدخول كوسيط، باعتبارها دولة حليفة لكافة الأطراف، فهى استشعرت احتمالات تفاقم هذه الأزمة، وزيادة حدة التوتر بين أطرافها، بل ووصولها إلى الخيارات الأخيرة، أصدرت بيانًا أعلنت فيه دعمها للمفاوضات الجارية حاليا للتوصل إلى اتفاق يحفَظ حقوق الجميع لتحقيق الازدهار والتنمية الاقتصاديّة المُستدامة، بالإضافة إلى احترام دول وادى النيل لبَعضهم البعض فيما يخص حقوقهم فى المياه، البيان الأمريكى وإن اتسم فى ظاهره بالغموض، فهذا لا يمكن تفسيره إلا بجدية الرؤية، باعتبار أن الوسيط لا يفصح عن مكنون رؤيته فى حل الأزمة، حيث رأى البعض أن البيان جاء لإرضاء كافة الأطراف، لذا فإننى أرى أن هذا من الأمور الطبيعية، حتى لا يفقد الوسيط حياده، هذا إذا كانت الولايات المتحدة ستكون وسيطا يقبله كل الأطراف، أما البيان الذى تناقلته وسائل الإعلام العربية والدولية، فقد جرى انتقاء مفرداته بعناية شديدة، لكن حدث تباينا بشأنه فهناك من رأى أنه شديد الغموض لعدم تطرقه لاحترام اتفاقيات توزيع المياه الدولية إلا أن هذه الرؤية من وجهة نظرى، ليس محلها بيان سياسى، إنما يمكن التعويل على الموقف فى إطار التفاوض، لأن كافة الاتفاقيات تتيح لمصر الحصة الأكبر من المياه، وكانت الحكومة المصرية فى ظِل وجود تقارب الموقفين السودانى والإثيوبى، طلبت مصر دخول طرف رابع حيادى لتَسهيل عملية التفاوض.


نحن هنا لا نعرف ما إذا كانت الإدارة الأمريكيّة ستقوم بالوساطة لنزع فتيل الأزمة، ومنع أيّ انفجار عسكرىّ محتمل، أو أن البيان الصادر عن إدارتها ليس سوى نوع من حث الأطراف على الوصول لصيغة اتفاق، لكن ما نعرفه أنّ إسرائيل هى التى حرّضت إثيوبيا على بناء هذا السد، وقدّمت لها القروض والخبرات الهندسيّة لتهديد أمن مِصر، وتقليص حِصصها المشروعة من المياه، ولا نستبعد أن تستمر الدولة العبرية فى دعم الموقف الإثيوبى من خلال حثّ الطّرف الأمريكيّ على تبنّى هذا الموقف، خاصة أن إثيوبيا كافأت إسرائيل، بالاعتراف بها وتوثيق علاقاتها بدول أفريقية أُخرى، واستضافة بنيامين نِتنياهو رئيس وزرائها فى أديس أباباد ومخاطبة اجتماع لمنظمة الوحدة الأفريقية.
إلا أن المتابع سيجد أن الموقف السودانى بات مريباً وصادما، على الأقل حتى كتابة هذا المقال حسب رؤيتى لمسارات الأزمة، باعتباره أكثر ميلا للموقف الإثيوبى، كما أنه يرفض دخول وسيط دولى على خط الأزمة، ما سوف يزيد الأمر تعقيدا، لأن وزير الموارد المائية والرى السودانى، ياسر عباس، أعلن عن رفض بلاده المقترح المصرى بإشراك أى طرف دولى آخر لحل أزمة سد النهضة الإثيوبى مؤكدا ثقته فى اللجنة البحثية التى تم تكوينها بواسطة وزراء الخارجية ووزراء الموارد المائية ورؤساء الاستخبارات، وباحثين وخبراء من الدول الثلاث لدراسة وتقديم سيناريوهات محددة لدراسة قواعد الملء الأول والتشغيل.
مِصر التى تبلُغ حصّتها من مِياه النيل حواليّ 55.5 مليار متر مكعب سنويا، فى مُقابل 18 مِليار متر مكعّب للسودان، دولة المصب الأُخرى، من مجموع 84 مليار متر مكعّب هى مجموع حجم تدفق مياه نهر النيل سنويًّا (150) مليار متر مكعّب أخرى تتبخّر بفِعل الحرارة تُريد ألا تتأثّر حصّتها هذه مُطلقًا من جرّاء مِلء خزّان سد النهضة تجنّبا لأى أضرار أو حتى مجاعات وانخفاض إنتاج الكهرباء فى السّد العالى.


الاقتراح المِصرى الذى رفضته إثيوبيا يقضى بأن تقدم إثيوبيا 40 مليار متر مكعّب سنويا من المِياه إليها على مدى سبع سنوات وهى الفترة المُقترحة لمِلء خزّان سد النهضة، وبقاء مستوى المِياه فى السد العالى عند 165 مترا فوق سطح الأرض.
المصيبة فى تلك الأزمة أنها تحمل فى أحشائها، ما يثير الدهشة، أن بعض الحكومات العربية، تستثمر عشرات المليارات فى إثيوبيا، وأن جزءا منها فى بناء السد بدافع النكاية أو المناكفات، إلى جانب إسرائيل التى تشجع بكل ثقلها أية أضرار للدولة المصرية، فهى لم تكن بعيدة عن المشهد، فهى تديره من خلف الستار عبر دعمها لإثيوبيا، بالقطع هذه الأزمة كشفت النقاب عن الأدوار الغامضة لبعض الحكومات، وهى أمور مشينة بكل المقاييس، باعتبار أن الرغبة الخفية لتلك الحكومات، مفادها تعميق الأزمة، لأن المشروع به تهديد مباشر، لأنه موجه ضد مصر، وستكون آثاره السلبية مهددة لحياة 100 مليون مصرى، بل مهدد لكل الأجيال القادمة.
وبالرغم من ذلك، الا أنه كان لافتا للانتباه وجود أصوات عربية لديها قناعات قومية، خاصة من المقيمين فى الغرب داعمة للموقف المصرى، المتعلق بحقوقه، بل أن تلك الأصوات وما أكثرها، تحث الحكومات العربية بدعم الموقف المصرى من دون تردد أو استثناء، باعتبار أن أية أضرار للشعب والدولة المصرية ستكون تداعياته مؤثرة بالتبعية على المنطقة العربية بأكملها.

مقالات مشتركة