المتربصون لا يتوقفون عن دورهم وأهدافهم المعلنة والخفية بل يقومون بتطوير أدواتهم ووسائلهم للنيل من البلد
الغالبية فقدت الثقة تمامًا فى الإعلام العشوائى لغياب رسالته المهنية وعدم قدرة بعض الإعلاميين على فهم المتغيرات التى طرأت على المجتمعات
الشائعات يتم بثها باحترافية شديدة لأهداف عدائية إلا أن جزءا كبيرا منها مبنى على التكهنات وفق معطيات افتراضية ليس لها وجود إلا فى مخيلة أصحاب التكهنات أنفسهم
تم استغلال الحديث الدولار الجمركى فتح شهية رواد مواقع التواصل الاجتماعى لتداول قصص متنوعة عن نية الحكومة رفع الأسعار فى متطلبات الحياة اليومية
يتم استخدامها فى حروب الجيل الرابع لمحو الهوية والتشكيك فى الثوابت الوطنية وخلق جيل تائه لا يعرف الحقيقة
قبل أيام انتشرت فى الفضائيات وعلى مواقع التواصل الاجتماعى،حزمة من الشائعات المتنوعة، راح صداها يتردد ذات اليمين وذات اليسار، بصورة لافتة، وقبل أن نفيق من صدمة إحداها، تداهمنا أخرى أكثر ضراوة، لأمر الذى يزيد من مساحة التخبط بين التصديق وعدم التصديق، ويزيد من مساحة الفجوة بين المتابعين للشأن العام والقائمين على المكاتب الإعلامية فى دواوين الحكومة من ناحية، وبين الرأى العام والإعلام من ناحية أخرى، فقد دأبت اللجان الإلكترونية الموجهة من القوى المعادية على ابتكار كل ما هو جديد لبث الكراهية، وتشتيت العقل وتشويه الحقائق، يساندها فى الهدف ذاته قنوات فضائية، رسالتها الوحيدة نشر الشائعات والعزف على أوتار بعض الأزمات الطارئة، الناتجة عن الإصلاح الاقتصادى، بهدف التشكيك فى القائمين على إدارة الدولة وأجهزتها وتوسيع دائرة الغضب، وما بين هذا وذاك يتلقف البعض تلك الشائعات، كوجبة سريعة «تيك أواى» بنهم شديد، لإشباع رغبته فى المعرفة التى يفتقدها، جراء عزوفه عن إعلام سطحى غير قادر على مسايرة الأحداث التى تجرى حوله.
من بين الشائعات التى انتشرت وكان لها تأثير سلبى على غير المتابعين لقضايا الشأن العام، هى التى تخص التعاملات اليومية، والتأثير السلبى على النفوس، بالطبع، لا يمكن إنكاره، لأنه يثير القلق والمخاوف إن صدق ما يتردد على مسامعه، حال تجاهل الرد الرسمى على الأقاويل المتناثرة هنا وهناك، كما أن التجاهل نفسه، يساهم فى رواج تصديق الشائعات، لأن الأمور تتعلق بقضايا تمس حياة الناس بصورة مباشرة، وبالتالى يجب مواجهتها بأساليب مباشرة وإجراءات سريعة، عبر بيانات رسمية من الجهات المسئولة داخل مؤسسات الدولة، حتى لا يختلط الحابل بالنابل، وأقول مؤسسات الدولة دون غيرها لأسباب متعددة، منها على الأقل، أن الغالبية فقدت الثقة تماما فى الإعلام العشوائى لغياب رسالته المهنية، وعدم قدرة بعض الإعلاميين على فهم المتغيرات التى طرأت على المجتمعات، أمام عزوف الحكومة عن المبادرة والمبادأة بإصدار بيانات وتصريحات رسمية بالمعلومات، حول خططها وبرامجها، يزيد من التخبط، ويفقد الرأى العام قدرته على تحديد موقفه مما يتم تداوله على الألسنة وفى مواقع التواصل الاجتماعى، ولا يستطيع التفرقة بين الغث والثمين من الأشياء، بين الحق والباطل، بين الصدق والكذب، فدائما الحكومة لا تخرج إلا لنفى ما جرى تداوله وانتشر مثل النار فى الهشيم، وهذه مصيبة لا يجب إغفالها، لأنها تنفى، فقط، من دون أن تقدم معلومات حول ملابسات القضية التى يدور بشأنها الحديث، ومن دون تقديم رؤية مستقبلية حول الأمر ذاته.
وعلى الرغم من أن تلك الشائعات يتم بثها باحترافية شديدة لأهداف عدائية، إلا أن جزءا كبيرا منها مبنى على التكهنات وفق معطيات افتراضية، ليس لها وجود إلا فى مخيلة أصحاب التكهنات أنفسهم، وهذا جانب مهم جدا فى قضية الشائعات، يجب لفت الانتباه إليه.. نعم هى قضية، بل قضية شائكة جدا، لأن قدرا هائلا من الشائعات، يتحول فى الذهنية الشعبية ـ بمرور الوقت ـ إلى أدلة يتم الاستشهاد بها كحقيقة دامغة،
ولنا فى التأكيد على ذلك الكثير والكثير من قصص الماضى والحاضر، وللأسف شكلت تلك الشائعات جزءا مهما من وعى وثقافة أجيال متلاحقة، جرى العبث بعقولها، مثلما طال ثورة 23 يوليو 1952 من أكاذيب، ومثلما لحق بالضباط الأحرار من افتراءات، ليس أقلها أكذوبة تعذيب الإخوان تحت إشراف جمال عبدالناصر شخصيا، ناهيك عن الهرتلات التى استهدفت ضرب مشروعه الوطنى، مرورا بالعديد من الخزعبلات التى لا تتسق مع العقل والمنطق، لكننا لا ننكر أنها صارت أحد روافد المعرفة لدى كثيرين وثقوا فيما قرأوه، فصاروا أتباعا لجماعة اتخذت من الأكاذيب والشائعات منهاجا ودستورا لها.
وإذا انتقلنا إلى الوضع الراهن، حدث ولا حرج، سنجد أن ماكينة الشائعات تدور بلا توقف، تنتج على مدار الساعة مئات، بل آلاف القصص، بهدف إثارة البلبلة، والتحريض على التشكيك فى الدولة والقائمين على إدارة مؤسساتها، كما أننا سنجد أن الاحترافية التى تطلق بها الشائعات، احترافية بشكل متقن، وليست عشوائية، احترافية لها كلفة عالية، بداية من الإنفاق على فضائيات جرى تأسيسها لهذا الغرض، وليس انتهاء من الإنفاق على اللجان الإلكترونية، جرى تدريب القائمين عليها على أيدى متخصصين وخبراء، بما يعنى أنهم ليسوا هواة، حيث يستطيع أى منهم استغلال معلومة من هنا أو خبر من هناك، وتغليفه بقصة أو حكاية، يتلقفها الببغاوات، ويتم ترديدها بلا روية أو تحليل لمعرفة مدى مصداقيتها، على الجانب الآخر تسير المكاتب الإعلامية فى دواوين الحكومة كالسلحفاء، يتخبطون فى انتظار التعليمات لإصدار بيان تكذيب وكفى.
مؤخرا تم استغلال الحديث عن قرارات الحكومة فيما يتعلق بالدولار الجمركى فتبارى جنرالات المعرفة فى كل شىء للإدلاء بدلوهم، والسير فى قافلة صناع الشائعات، وارتفعت وتيرة الحديث عن الزيادة فى الأسعار ما فتح شهية رواد مواقع التواصل الاجتماعى لتداول قصص متنوعة عن نية الحكومة رفع الأسعار فى متطلبات الحياة اليومية، والسؤال هنا أصبح ضروريا، لماذا لم تبادر الحكومة بشرح التفاصيل للناس؟ خاصة أن غالبية شرائح المجتمع التى تتلقف تلك الشائعات بقدر هائل من الغضب، لا يعرفون الدولار الجمركى، ولا يعرفون الهدف من قرارات الحكومة، فقط يعرفون أن ارتفاع أى سلعة، لا يهبط مرة أخرى مهما كانت الإجراءات، فهم تائهون بين الغلاء وعدم القدرة على فهم القرارات، هل هى تستهدف رفع المعاناة عنهم، أم أنها ستلقى بهم فى دوامات الأوضاع المتردية.. لماذا لم تبادر الحكومة بإصدار بيان يحسم الأمور، ويضع حدا للغط الدائر، لكنها اكتفت بإعلان الخبر فقط دون أية تفاصيل تذكر؟
يا سادة إن ماكينة الشائعات لم تتوقف ولن تتوقف، فهى أحد أهم أسلحة الحروب النفسية عبر الأزمنة، ولم تكن وليدة حروب الجيل الرابع كما يظن البعض، لكنها إن شئنا الدقة، أحد أهم وسائل تلك الحروب المستحدثة لمحو الهوية والتشكيك فى الثوابت الوطنية، وخلق جيل تائه لا يعرف الحقيقة، جيل غارق فى دوامات الفوضى واللامبالاة، فلو توقفنا أمام ما جرى تداوله على الأقل فى الأيام القليلة الماضية، سنجد أنه يحرض على كراهية سلطات الدولة الحكومة والنظام والمؤسسات والوطن كله، ويشكك فى كل المسئولين بدون استثناء، وكأنهم جميعا يعملون ضد الوطن والشعب، هكذا بكل بساطة،
أما الشائعات فتخص لبن الأطفال، حيث جرى الحديث عن استيراد كميات فاسدة، بالتأكيد من يطلق مثل هذا الهراء، يهدف إثارة الفزع فى النفوس على اتساع خريطة البلاد الجغرافية، هو يتحدث هنا عن قضية تخص الأمن القومى، لأنها تخص ملايين الأطفال، صحتهم وبنيانهم الجسمانى، لكن القراءة الدقيقة، تقودنا إلى معرفة الهدف الشيطانى من بث تلك الشائعة، خاصة إذا علمنا أن مؤسسات الدولة، تصدت قبل عامين لمحاولات العبث بأسعار لبن الأطفال ووضع الضوابط الكفيلة بتوفيره بالأسعار الملائمة لفئات الشعب، فضلا عن تكفلها بدعمه ليصبح فى متناول غير القادرين والفئات الفقيرة، وهى أمور معلومة للكافة، لكن الهدف الشيطانى كما قلنا، يسير نحو التشكيك فى كل المؤسسات والجهات الرقابية لإشعال الغضب والكراهية، لأن الشائعة تزامنت مع أخرى مفادها أن الحكومة ترفض استخدام الإسعاف فى حالات الطوارئ، وتفرض رسوما مرتفعة، بما يعنى أنها ستدهس الفقراء وتتخلى عنهم.
أمام كل ذلك نجد أن الوزارات المعنية بتوضيح الأمور لا تقوى على مواجهة العبث بسرعة تلائم أهمية الرد فور إطلاق الشائعة، لكنهم يطبقون شعار دع الكلاب تعوى، وهذا لا يصح فى أمور تتعلق بالحياة اليومية، ويجب أن تواجه بالمعلومات والأخبار الصحيحة، وإلا فما هى أهمية المكاتب الإعلامية داخل الوزارات؟
اللجان الإلكترونية، تنتقل من شائعة إلى أخرى بسرعة فائقة بهدف الشوشرة والتعتيم على بوادر الأمل، كى لا يفيق المجتمع من المخاوف الناتجة عن كم القصص الوهمية والخزعبلات، لأن الغرض معلوم وهو ضرب الاستقرار وتوسيع دوائر الغضب وكراهية الدولة بكل مؤسساتها.
يقينا، كل ما تقدم يمثل بالنسبة لى قدرا من الأسى، والشعور بالحزن لما وصلنا إليه، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الإعلامية المنوط بها مواجهة العبث بحرفية وموضوعية، فليس معقولا أن يصدر الخبر من الجهة الحكومية بدون تفاصيل، ثم تتلقفه دوائر مغرضة تستخدم فيه كل أساليب الشحن، وعندما تتنامى وتيرة الشائعات يصدر تكذيب، وهكذا تمر الأمور بكل أريحية.
علينا إعادة النظر فى دور الإعلام، لأننا بلد مستهدف وتحيط به المخاطر من كل اتجاه والمتربصين لا يتوقفون عن دورهم وأهدافهم المعلنة والخفية، بل يقومون بتطوير أدواتهم ووسائلهم للنيل من البلد، أما نحن فيتم اعتمادنا على إعلام فارغ، لا يؤدى الدور المطلوب منه فى زمن الحروب وإعلاميين فقد معظمهم مشاهدى الفضائيات، ولا أخفى سرًا إذا قلت أن الكثيرين انصرفوا عنهم وجلسوا أمام الإعلام الكاره، لأنهم يريدون معرفة ما لا يقوم الإعلام فى الداخل إخبارهم به، وهذه قضية مهمة جدا، يجب ألا تكون خارج حسابات المعنيين بهذه الملفات الشائكة، وعليهم الوضع فى الاعتبار أن الدولة المصرية أقدم دولة فى المنطقة رسخت لمنظومة الإعلام المهنى، بمعنى أنها الصانعة له، ولنا تاريخ طويل، وأن الإعلاميين المصريين هم من علموا المنطقة كلها هذا المجال، وليس من المعقول أن يفشل بأى حال من الأحوال أمام كتائب إلكترونية، وليس من المعقول أيضًا أن يتم الإبقاء على البعض فى مواقعهم، والجميع يعلم أنهم فشلوا فشلا ذريعا فى توجيه الرأى العام، لعدم قدرتهم على الإقناع، واستخدام الهرتلة والصخب الأجوف.