جريدة صوت الملايين
رئيس مجلس الإدارة
سيد سعيد
نائب رئيس مجلس الإدارة
د. محمد أحمد صالح
رئيس التحرير
محمد طرابية

سيد سعيد يكتب   2019-09-23T16:52:38+02:00

الابتزاز الأمريكى وأوهام الحرب فى منطقة الخليج العربى

سيد سعيد
الإجراءات على الأرض زادت من تكهنات اندلاع حرب عسكرية فى أعقاب نشر قوات أمريكية بالمنطقة
الأطراف الدولية لن تقف مكتوفة الأيدى أمام جموح واشنطن للهيمنة على المنطقة
ما يحدث بمنطقة الخليج العربى استعراض قوة لتحقيق مكاسب استراتيجية واقتصادية طويلة المدى
الولايات المتحدة بمؤسساتها الاستخباراتية لديها دراية كاملة بتعقيدات المصالح الدولية وتنامى احتمالية دخول روسيا والصين وفرنسا
كلفة الحرب ستحصل عليها أمريكا بصورة أو بأخرى ما يعنى أن واشنطن المستفيد الوحيد من ارتفاع الأسعار



المتابع لما يدور بمنطقة الخليج العربى من تطورات، لا يبذل جهداً فى معرفة تفاصيل المشهد المرتبك على كافة المستويات، سواء ظاهره الصاخب إعلاميا وسياسيا، أو ما يدور فى الكواليس من تجاذبات، تتحكم فى مساراتها لغة المصالح الدولية، فالأحداث على الأرض، راحت تتدافع بصورة متسارعة، عقب استهداف منصات لاستخراج البترول بالسعودية. لم يعد خافياً على أحد أن ما جرى فى الأيام القليلة الماضية، كانت له تداعياته «المزعجة» على المستويين الإقليمى والدولى، باعتبار أن الأحداث تجاوزت، عملياً، مسألة تهديد الملاحة فى مياه الخليج العربى، فهى امتدت إلى تهديد عمق الأراضى السعودية، فضلاً عن أن استهداف منصات الإنتاج، كان له تأثير سلبى على المملكة من الناحيتين الأمنية والاقتصادية، فعلى المستوى الأمنى والاستراتيجى، أصبحت الرياض فى مرمى التهديد المباشر من جهات تبدو غير محددة، حتى الآن، وإن كانت الأنباء المتواترة عبر وسائل الإعلام العربية والغربية، تشير بأصابع الاتهام صوب إيران، سواء بصورة مباشرة، بحسب تصريحات مسئولين كبار بالسعودية والإدارة الأمريكية، أو بصورة غير مباشرة، فى إشارة لأذرعها التى تطوق شبه الجزيرة العربية مثل «جماعة الحوثى» باليمن، «الحشد الشعبى» فى العراق، أما على المستوى الاقتصادى، فحدث ولا حرج، حيث انخفض إنتاج شركة أرامكو بنسبة تصل إلى النصف تقريباً، إلى جانب كلفة إعادة التشغيل التى تستغرق عدة أسابيع، ما أدى بالتبعية إلى خسائر هائلة للاقتصاد السعودى


كما صاحب الخسائر، ارتفاع أسعار النفط فى الأسواق العالمية، الأمر الذى أربك حسابات العديد من البلدان، وزاد من مخاوف تكرارها، ما جعل معظم حكوماتها يطلبون المشاركة فى التحقيقات الجارية، لتحديد الجهة التى ارتكبت الفعل. قبل أن تنتهى الرياض والولايات المتحدة الأمريكية، والدول المشاركة معهما من التحقيق الفنى لمعرفة مصدر إطلاق الصواريخ، لكى يتم توجيه الإدانة بصورة مباشرة لمصدر إطلاق الصواريخ، كان من الطبيعى أن تتنوع الاتهامات ذات اليمين وذات اليسار بصورة غير دقيقة، ما جعل قاطن البيت الأبيض، يستغل الحدث فأظهر قبح السياسة الأمريكية وانتهازيتها تجاه حلفائها، فهو تحدث بوقاحة، لا تليق برئيس أكبر دولة فى العالم عن ضرورة قيام بلدان الخليج العربى، بدفع إتاوة مقابل حمايتهم من إيران، قال ذلك علنا، بصورة لا تبتعد عن أساليب بلطجية الحوارى مستغلا الأجواء الملتهبة بالمنطقة، ليضرب عدة عصافير بحجر واحد، منها فرض عقوبات اقتصادية ضد طهران ليس لاعتدائها على بلدان الخليج العربى، ودعمها لجماعة الحوثى باليمن أو ميليشيات الحشد الشعبى التى انخرطت بصورة مريبة فى صفوف الجيش العراقى، أو لتقليم أظافرها وأيديها المتناثرة فى المنطقة، إنما لإجبارها على التفاوض حول وقف برنامجها النووى وانصياعها للإرادة الأمريكية. لم تتوقف وتيرة الأحداث المتصاعدة فى منطقة الخليج، عند حدود الحروب الكلامية بين الرياض وطهران من ناحية، وواشنطن وطهران من ناحية أخرى، فقد امتدت الأمور الى إجراءات على الأرض، زادت من التكهنات الرامية لاندلاع حرب عسكرية فى أعقاب نشر قوات أمريكية بالمنطقة. على الرغم من ذلك هناك تصريحات أخرى للرئيس الأمريكى، مفادها أن تواجد القوات الأمريكية للحماية من التهديدات الإيرانية، بما يعنى عدم وجود نية للحرب، خاصة أن الكونجرس يرفض أى حروب خارج الأراضى الأمريكية، وها بدوره يؤكد أن كافة التهديدات التى صدرت عن إدارة ترامب بتوجيه ضربات ساحقة لإيران، وقابلها تهديدات أكثر سخونة وعنترية من الملالى ضد أمريكا وإسرائيل، جميعها ليست سوى تصريحات للاستهلاك الإعلامى. مع تزايد وتيرة التهديدات المتبادلة، بات صوت الحرب هو الأعلى فى الفضاء الإعلامى كما أن تحليلات خبراء الدراسات السياسية والاستراتيجية والاقتصادية، راحت تصب فى ذات الخانة، ما جعل البعض يرون أن المنطقة أصبحت مهيأة، بالفعل، لحرب واسعة النطاق، من دون النظر، أنها لو حدثت ستكون حربا متعددة الخنادق والجبهات، بحسب تعدد أطراف المصالح وما أكثرهم، أيضا، من دون النظر إلى جوانب أكثر أهمية حال القراءة المتأنية وحال النظر إلى سيناريوهاتها التى ستجعل منطقة الشرق الأوسط مسرحاً لحرب كونية. نعم.. المشهد بصورته الإعلامية، يجعل جدية الحرب تتقدم على كل ما سواها من سيناريوهات، ويشير إلى أن المنطقة أصبحت قاب قوسين أو أدنى من دوى المعارك المرتقبة، وأن تلك اللحظة باتت وشيكة، بل فى انتظار إشارة البدء، التى سيحددها أحد الطرفين «أمريكا أو إيران»، كما أن هناك شواهد أخرى. القراءة المتأنية للأحداث، رغم تسارع وتيرتها، تجعلنى أجنح إلى زاوية مغايرة تماماً للتصريحات والتهديدات المتبادلة، كما أننى، حسب قناعاتى، لا أميل إلى تصديق الخطابين الأمريكى والإيرانى على حد سواء، فكلاهما، يعرف حدود الآخر ويغازل الآخر، لضمان أكبر قدر من المكاسب. يا سادة: إن اندلاع الحرب فى منطقة الخليج العربى، لا تعنى اشتباكاً مباشراً بين أمريكا وإيران وحدهما وكفى، بل ستتدخل أطراف أخرى


لن تقف مكتوفى الأيدى أمام جموح واشنطن للهيمنة على العالم، فضلا عن أن طهران سبق وأن هددت وتهدد حاليا بإغلاق مضيق هرمز الممر الملاحى الاستراتيجى، كل هذه الإشكاليات، ستجعل أطراف دولية لها مصالح استراتيجية، مثل روسيا والصين وتركيا وبلدان أوروبية مؤثرة فى مسارات السياسة الدولية، تتدخل لحماية مصالحها، فهذه الدول لن تجلس فوق مقاعد المتفرجين، لكنها ستكون طرفا فعالا فى الأحداث لحماية مصالحها وفرض إرادتها، ما يجعل منطقة الشرق الأوسط مشتعلة، ولنا فى سوريا خير دليل على صحة ما نراه، عندما تعددت القوى الدولية المتصارعة من أجل مصالحها، وعندما جرت تحالفات الأضداد «تركيا وإيران» من أجل المصالح، وعندما تراجعت العنترية الأمريكية والانتهازية التركية أمام إرادة الدب الروسى، فى كل هذه الحالات كانت سورية هى الخاسر الوحيد أمام لعبة المصالح الدولية. جانب آخر يجب وضعه فى الاعتبار، يذهب وفق تصوراتى للمشهد، أن ساحة المواجهات المحتملة، ربما تكون العراق، هذا إن حدثت الحرب ضد إيران. فلو توقفنا أمام العراق المتشرذم، الآن، على كافة المستويات، سياسياً وطائفياً ومذهبياً وعشائرياً، سيكون الوضع أكثر تعقيداً، ففى أى خندق سيكون، هل سيكون مع السعودية وأمريكا، أم مع إيران، أم أنه سينقسم بينهما.. أسئلة أخرى لا يمكن إغفالها: هل سيكون العراق مسرحاً لتلك الحرب، باعتبارها دولة مواجهة، أم أنه سيدخلها بالإنابة عن هذا الطرف أو ذاك؟ تقديرى، أن ما يحدث بمنطقة الخليج العربى، الآن، استعراض قوة، ليس إلا، والغرض منه تحقيق مكاسب استراتيجية واقتصادية طويلة المدى، فضلاً عن الابتزاز الأمريكى لدول المنطقة بزعم حمايتهم من تهديد الـ«بعبع» الإيرانى، فالولايات المتحدة الأمريكية، بمؤسساتها المعلوماتية والعسكرية، ومراكزها البحثية، تعلم قبل غيرها أن الحرب ستكون لها فاتورة باهظة، لا تستطيع أمريكا ولا إيران، تحمل كلفتها الاقتصادية والأمنية، فضلاً عن مخاطر تداعياتها التى ستكون أكثر تأثيراً على العالم، وليس على دول المواجهة وحدها. إيران تهدد دائما وعلى رؤوس الأشهاد، بأنها تمتلك ترسانة أسلحة متطورة، وتصريحات قادتها تتضمن التلويح بأنهم قادرون على قلب المنطقة رأسا على عقب، أنا هنا، لا أستطيع أن أؤكد صحة، ولا حقيقة امتلاك القوة، التى تدعوهم لهذا التباهى وتلك العنترية، كما أننى لا أملك نفيها، لكننى أستطيع أن أتفهمها فى إطار الحروب النفسية، كما أننى أستطيع وفق قراءتى للمشهد، التأكيد على أن أى مواجهة عسكرية مع إيران، تعنى بالضرورة تهديداً مباشراً لأمن المنطقة بأكملها، وهذا فى ظنى، ما لا تقبل به دول الخليج الطرف الأصيل فى الصراع العربى الفارسى، لكن فى ظل تعقيدات المشهد السريالى، يبرز على السطح تساؤل مهم: ما الذى تريده أمريكا من تصعيد خطاب الحرب مع طهران؟



فمهما تعددت الصيغ سيظل مضمون الجواب واحدا، لا يخرج عن الإشارة نحو تحجيم النفوذ الإيرانى فى المنطقة، وإنهاء مشروعها النووى، أما الحقيقة التى لا يستطيع أى طرف إنكارها، فهى الابتزاز الأمريكى لدول الخليج العربية، وهو ما لا يخجل الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب « من ترديده عبر تغريداته على «تويتر» وتصريحاته لوسائل الإعلام الغربية بمناسبة وبدون مناسبة، فضلا عن تسويق الإدارة الأمريكية لحلفائها فى الغرب وفى المنطقة العربية، بأن إيران دولة مارقة وبات تهديدها للعالم يتصاعد، وأن الولايات المتحدة هى الوحيدة دون غيرها التى تستطيع التصدى لهذا الخطر القادم من بلاد فارس. دوافع خفية أخرى لا تبوح بها أمريكا إلا من خلال مناقشات فى دوائر صناعة القرار، منها أن اندلاع حرب فى الخليج سيساهم فى رواج تجارة السلاح، وتنامى الاقتصاد المتعثر للدولة الأكبر فى العالم. لذا فإن الحقيقة التى يجب على الجميع النظر إليها فى سلسلة الأزمات التى تصنعها واشنطن فى المنطقة من العراق إلى سورية ومن الخليج إلى إيران، تصب فى هدف رئيسى، هو فرض الهيمنة وتوسيع دوائر الأمن القومى للدولة العربية، وأمام هذه الاستراتيجية يمكن ابتكار الأزمات من وقت لآخر، وها يقودنا للتسليم بأمور يجب التأكيد عليها، منها، لو لم توجد إيران على الخريطة الجغرافية، ما تأخرت إدارة البيت الأبيض، لحظة واحدة فى صناعتها على الساحة، كفزاعة أو «بعبع» مثلما فعلت قبل ذلك مع العراق، ومثلما تفعل الآن مع كوريا وفنزويلا. ربما يقول قائل بعد استهداف منصات استخراج البترول: إن بلدان الخليج ستكون المستفيد جراء ارتفاع أسعار النفط، لكن فات أصحاب هذا القول إن المكاسب التى ستجنيها بلدان الخليج العربى من صعود أسعار النفط، ستكون جزءاً ضئيلا من كلفة الحرب التى ستحصل عليها أمريكا بصورة أو بأخرى، ما يعنى أن واشنطن المستفيد الوحيد من ارتفاع الأسعار إن حدث هذا. الخلاصة: الولايات المتحدة لن تخوض حرباً ضد إيران، وأميل صوب التأكيد على أنها لا تستطيع أن تخوضها، لأن تداعياتها ستكون وبالًا على سوق النفط العالمى بأكمله، كما أن الولايات المتحدة بمؤسساتها الاستخباراتية، لديها دراية كاملة بتعقيدات المصالح الدولية، وتنامى احتمالية دخول قوى عظمى كطرف أصيل فى كل ما يحدث مثل روسيا والصين وفرنسا وبعض الدول المؤثرة فى أوروبا التى تحذر من نشوب حرب بمنطقة الخليج العربى.

مقالات مشتركة