![](https://www.soutalmalaien.com/uploads/1696273235_688722a0201621b77af2.png)
أثارت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مراجعة برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي بعدما تبين أنه يشكل عبئًا على المصريين،
موجة من الجدل الكبير وأثارت الكثير من التساؤلات خلال الأيام الماضية ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
ما الجديد الذى دفع الرئيس لإطلاق هذه الدعوة فى هذا التوقيت؟ وهل الحكومة كانت تخفى معلومات عن الرئيس حول الشروط التى تضمنتها اتفاقيات القروض مع صندوق النقد الدولى ؟ وما هى طبيعة الضغوط التى يمارسها الصندوق لإجبار الحكومة على زيادة أسعار السلع والخدمات مقابل منحها هذه القروض ؟ والى أى مدى أثرت هذه القروض على حياة المصريين ؟ وماذا تعنى المراجعة التى طلبها الرئيس ؟ وهل سيستجيب لها صندوق االنقد الدولى أم يصر على ما تم الإتفاق عليه من قبل مع الحكومة ؟
فى البداية نشير إلى أن خبراء الإقتصاد أكدوا أن مراجعة موقف مصر مع الصندوق تعني إعادة فتح برامج الإصلاحات الاقتصادية وتأجيل بعضها لفترات لاحقة، لتخفيف صدمة تبعاتها على المستهلك المحلي.
و توقع الخبراء أن تراجع مصر بعض بنود الاتفاق، سواء عن طريق إعادة جدولة مواعيد تطبيقها أو البحث عن بدائل جديدة لتنفيذها، على رأسها البند المتعلق بخفض عجز الموازنة من خلال رفع أسعار الوقود؛ لأن استمرار زيادة الوقود يؤثر سلبًا على التضخم.
هذا الجدل الذى أثاره طلب الرئيس تزامناً مع انطلاق الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك وصندوق النقد الدوليين، في واشنطن خلال الأسبوع الجاري، التى شاركت فيها مصر بوفد رفيع المستوى يضم محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، وعدد من وزراء المجموعة الاقتصادية .
والسؤال الأهم هنا : ماذا ستفعل الحكومة المصرية فى حال رفض صندوق النقد الدولى للمراجعة التى طلبها الرئيس السيسى .؟
قبل أن نجيب عن هذا السؤال نكشف عن رد فعل الصندوق الأولى حول دعوة مصر لمراجعة بعض بنود الإتفاق ، حيث كشفت كريستاليينا جورجييفا، مديرة صندوق النقد الدولى عن أنها ستقوم بزيارة لمصر خلال أيام للتعرف على التطورات والتداعيات الاقتصادية، فى ظل التوترات الإقليمية، والحرب فى غزة، مشيرة إلى أن الصندوق منفتح على تعديل برنامج الاتفاق مع مصر ومختلف الدول وفقًا لمصلحة المواطنين.
وقالت، فى مؤتمر صحفى على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين بالعاصمة الأمريكية واشنطن ، إننا ندرك حجم التحديات التى تحيط بالاقتصاد المصرى بسبب الحرب والتوترات، التى أدت إلى انخفاض دخل قناة السويس بنسبة 70%، كما أثرت على معدل النمو، وتوقعاتنا للمؤشرات الاقتصادية فى الفترة الحالية، والمقبلة، مبدية تعاطفها مع كل شخص فى المنطقة، بسبب الأوضاع الصعبة.
وقالت مديرة صندوق النقد: من الأفضل لمصر أن تبادر إلى الإصلاحات عاجلا وليس آجلا وهو الأمر الذى قد يؤدى الى بعض التعقيدات فى المفاوضات مع الصندوق خلال الأيام القادمة .
هذه التعقيدات التى يمكن أن تحدث تأتى متناسقة مع ما صرح به مسئول في صندوق النقد الدولي لبعض الوكالات العالمية الكبرى أن المؤسسة الدولية مصممة على المضي قدما في خطة الإصلاحات من دون تغيير، وفق الجداول الزمنية المحددة مسبقا مع الحكومة المصرية.
وقال المصدر: "تبقى من الإصلاحات التي لم يتم إكمالها بعد، رفع الدعم كاملا عن الوقود، إلى جانب رفع الدعم عن الكهرباء لبعض الشرائح الاستهلاكية، وتخارج الدولة من عشرات الشركات العاملة في البلاد".
وفى هذا السياق كشف تقرير لشبكة CNN الأمريكية أنه رغم أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، قال إن قرار تأجيل المراجعة الرابعة لبرنامج مصر مع صندوق النقد الدولي جاء بالتوافق مع الصندوق، فإن محللين قالوا إن التأجيل قد يكون لمنح المزيد من الوقت لمصر لإحراز تقدم في بعض الأهداف المتفق عليها بين الجانبين.
وأضافوا أن هذه الأهداف قد تكون الاستمرار في رفع أسعار الوقود وإحراز تقدم في برنامج الطروحات، بجانب الحصول على المزيد من الوضوح بشأن الشكوك الجيوسياسية في المنطقة والتي من شأنها التأثير على الاقتصاد المصري.
وكان من المقرر أن تزور بعثة من صندوق النقد مصر لإجراء المراجعة الرابعة لبرنامج مصر خلال الشهر الجاري أو الشهر المقبل، إلّا أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، قال إن مصر والصندوق توافقا على تأجيل الزيارة لتكون بعد اجتماعات الصندوق السنوية في واشنطن المقررة نهاية الشهر الجاري.
وأكد الخبراء أنه ربما اختار صندوق النقد تأجيل الزيارة إلى القاهرة لأنه يسعى إلى رؤية تقدم في بعض جوانب الإصلاحات، مثل الدعم وبرنامج الطروحات الحكومية، وهي أهداف طويلة المدى.
وأضافوا أن مصر أقدمت على رفع أسعار الوقود والكهرباء، لكنها تظل أقل بكثير من سعر تكلفتها وبالتالي فإن المزيد من التقدم في رفع أسعار الوقود سوف يكون مطلوباً، رغم أن المسؤولين سوف يرغبون في التحرك بحذر حتى لا يتسببوا في ارتفاع التضخم الذى يؤثر سلباً فى حياة المصريين .
وحول الإصلاحات التي تأخرت فيها مصر؟ ذكر الصندوق في المراجعة الأخيرة لبرنامج مصر أنها استوفت نصف المعايير الهيكلية للمراجعة، بما في ذلك الحفاظ على سعر صرف مرن، ومع ذلك لم تحقق الأهداف الأخرى ومنها الوصول بأسعار الوقود لسعر التكلفة بحلول نهاية 2025 .
ويرى لصندوق – وفقا للتقرير الأمريكى – أن مصر لم تحقق تقدماً ملحوظاً حتى الآن في برنامج الطروحات الحكومية، لذلك قد تحتاج إلى المزيد من الوقت لإبرام صفقات، علماً بأن حالة عدم اليقين الجيوسياسي في المنطقة تضيف تحدياً لهذه الصفقات؛ ما يزيد من تأخيرها
ويتوقع المحللون والخبراء أنه في حال ظهور خلافات بين الجانبين بشأن مواعيد تنفيذ الإصلاحات، فإن الصندوق قد يتجه إلى تأجيل مراجعات البرنامج مع مصر، وهو ما سيؤجل تسليم شرائح جديدة من القرض البالغ 8 مليارات دولار.
تدر الإشارة الى أن أزمة القرض الأخير بدأت منذ أن أبرمت مصر اتفاقًا مع صندوق النقد الدولي، في ديسمبر عام 2022، للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار مقابل تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي يركز على أربعة محاور رئيسية، تشمل تطبيق نظام سعر صرف مرن، وتنفيذ سياسة نقدية لخفض معدلات التضخم، وإلغاء دعم برامج الإقراض، وخفض نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي وتقليص الاستثمارات الحكومية، - بحسب الموقع الرسمي لصندوق النقد -.
وقد أتمت مصر تنفيذ بعض من هذه الإصلاحات، وصرفت شريحتين من القرض قوامهما حوالي 700 مليون دولار، لكنها أجلت تنفيذ باقي الإصلاحات المتعلقة بمرونة سعر الصرف بسبب أزمة نقص النقد الأجنبي في البلاد، مما أدى إلى توقف صرف باقي الشرائح لأكثر من عام، حتى وقعت مصر في فبراير الماضي، صفقة تطوير منطقة رأس الحكمة وحصلت على تدفقات ضخمة بلغت 35 مليار دولار، مما دعاها لاستكمال البرنامج مع صندوق النقد، وتحرير سعر الصرف في مارس الماضي. في المقابل رفع الصندوق قيمة القرض المقدم لمصر إلى 8 مليارات دولار، وصرف الشريحة الثالثة من القرض بقيمة 820 مليون دولار.
ومنذ استئناف برنامج الإصلاح الاقتصادي، اتخذت الحكومة عدة قرارات ضمن الإصلاح الهيكلي شملت رفع أسعار الوقود ثلاث مرات آخرها الشهر الحالى، وسبقها زيادة أسعار الكهرباء والقطارات ومترو الأنفاق. وكان من المقرر إجراء المراجعة الرابعة لاتفاقية القرض في الشهر الماضي من أجل صرف مبلغ 1.2 مليار دولار لمصر، قبل أن يتم إرجائها إلى ما بعد انتهاء الاجتماعات السنوية للصندوق هذا الشهر .
وقبل إجراء المراجعة، قال الرئيس السيسى ، في تصريحات له ، إن مصر نجحت في تنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي عام 2016، وقت استقرار الأوضاع الإقليمية والدولية، إلا أن البرنامج الحالي يُطبق في ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة الصعوبة أثرت على الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، وتسببت في فقدان مصر ما بين 6-7 مليارات دولار خلال الشهور العشرة الماضية، وقد تستمر هذه التحديات لعام مقبل، مطالبًا بوضعها في الاعتبار ومراجعة موقف البرنامج مع صندوق النقد حال تسببه في ضغط لا يتحمله الناس، على حد قوله.
وهنا نسأل : ماذا ستفعل مصر اذا رفض الصندوق المراجعات المطلوبة لبنود الإتفاق ؟ وما هى البدائل المصرية التى يمكن أن تقوم بها الحكومة فى حال رفض الصندوق صرف باقى قيمة القرض الا بعض الموافقة على بنود الإتفاق الموقع بين الجانبين دون تغيير؟ وهل يمكن الإستغناء عن قروض الصندوق وغيره من الجهات الدولة دون تحميل المواطن الغلبان مزيداً من الأعباء .
وللإجابة عن هذه التساؤلات نشير الى أن هناك حلولا بديلة لخفض عجز الموازنة بعيدًا عن زيادة أسعار الوقود فى حال حدوث صدام بين الحكومة والصندوق ، من بينها المضي قدمًا في تنفيذ برنامج الطروحات الحكومية لزيادة إيرادات الموازنة العامة، والإسراع في توقيع اتفاقيات جديدة في مجال اكتشاف وإنتاج الغاز الطبيعي لزيادة موارد البلاد من منح توقيع هذه الاتفاقيات، وزيادة حجم الإنتاج المحلي من الغاز لخفض فاتورة الاستيراد لسد احتياجات قطاع الكهرباء علاوة على زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة .
ومن بين الحلول المقترحة أيضاً الإسراع في التوصل لاتفاقيات استثمارية ضخمة في المناطق المطروحة بالبحر الأحمر مثل رأس جميلة، ورأس بناس لتدبير تدفقات جديدة على غرار رأس الحكمة.
وهنا تجدر الإشارة الى أن الحكومة جمعت 30 مليار دولار من برنامج الطروحات الحكومية خلال الفترة من مارس عام 2022 وحتى يونيو عام 2024، وذلك من خلال تنفيذ 33 عملية طرح فعلي للتخارج الكلي أو الجزئي من شركات مملوكة للدولة .
وفى هذا السياق نطالب الحكومة بإعادة النظر في البند المتعلق بخفض فاتورة الدعم بالموازنة العامة ببرنامج الإصلاح؛ لأن أجور المواطنين لا تتناسب مع الزيادة في أسعار السلع والوقود خلال الفترة الحالية، مما يتطلب ضرورة تأجيل أية زيادات جديدة في الأسعار حتى لا تتسبب في المزيد من الضغط على المواطنين.
ونتمنى أن يجد المواطن تطبيقا على أرض الواقع لتصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، والتى قال فيها إن الدولة تعي تأثير ارتفاع الأسعار على المواطن، ولا ترغب في زيادتها، لكنها مُضطرة لذلك في ظل العبء المالي الكبير الذي تتحمله جراء زيادات أسعار الوقود .
وفى النهاية أقول : أتمنى أن يأتى اليوم الذى نتخلص فيه من أعباء القروض وفوائدها الكبيرة حتى لا تستمر الأجيال الحالية والقادمة فى دفع أثمان باهظة لسياسات فاشلة من جانب الحكومات المتعاقبة وأتمنى أن يحاسب كل من قبل بشروط من شأنها المساس بكرامة مصر وتدنى مستوى معيشة مواطنيها حتى وصل لهذه الدرجة من السوء .